لجنة صياغة «وثيقة امتلاك مصر» المسماة الدستور

لجنة صياغة الدستور

بقلم عبداللطيف المناوى
ليس هكذا يتقرر مصير الأمم، ما حدث خلال الساعات الأخيرة من عملية اختيار اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور كان تتويجاً لمشروع استكمال خطف الوطن فى اتجاه بعينه، والخطأ الأساسى بدأ عندما تم إقرار صيغة اختيار اللجنة بالمناصفة بين أعضاء البرلمان بمجلسيه، واختيار النصف الآخر من خارج المجلسين بموافقة أعضائه. وأنا هنا أتفق مع الوصف الذى استخدم فى وصف هذا التشكيل بأنه مصاب بالعوار، وهو الأمر الذى يطعن فيه. لكن بغض النظر عن الطعن فى هذا التشكيل قانونياً أو دستورياً، فإن الطعن هنا أساساً يكمن فى أن هذه الطريقة تبتعد كثيرا عن مصلحة الوطن، فالدستور ليس صياغة لرؤية أى قوة سياسية حاكمة فى وقت صياغته، وليس وثيقة انتصار سياسى يتم إملاؤها من «المنتصرين» سياسياً على «المهزومين» سياسياً أو انتخابياً، لكنها وثيقة أمة ينبغى أن تعبر عن الأمة بكل أطيافها.

بالنظر السريع إلى الأسماء التى «احتلت» مواقعها فى لجنة صياغة «وثيقة امتلاك مصر» المسماة الدستور نكتشف أن القوة السياسية المنتصرة تشكل حوالى سبعين فى المائة من أعضائها المائة، من بينهم، حسب ما هو متاح لدىّ من معلومات وقت كتابة هذا المقال، ست سيدات، أى ستة فى المائة، وستة أسماء من المسيحيين من بينهم عضو قيادى فى حزب الإخوان المسلمين. أما من المثقفين فلم ينجح أحد ممن قدمهم اتحاد الكتاب الذى كان يتفاءل خيراً فيما يبدو، فاقترح أسماء مثل جمال الغيطانى وبهاء طاهر، ولست أدرى هل كان ذلك تفاؤلاً أم اختباراً لجدية ما يحدث.

فى ساعات قليلة اجتمع ممثلو قوى الإسلام السياسى الحاكمة ومعها بقية الممثلين لبعض القوى السياسية التى تمكنت من التقاط بعض من بقايا البرلمان ليختاروا مائة من بين ألفين وثمانمائة اسم عجّت بهم الكشوف الموزعة على أعضاء البرلمان، وصاحب هذه الكشوف «قائمة دوارة» من قيادة حزب الأغلبية بالأسماء التى على أعضائه أن يختارهم، وكانت النتيجة، كما أشرت من قبل، سبعين فى المائة من تيار الإسلام السياسى، إضافة إلى بعض الأسماء من الليبراليين أو من المسجلين فى كشوف الليبراليين، وذلك فى إجراء لذر الرماد فى العيون، أو على طريقة المحلل لتمرير الوثيقة، وهى اللعبة والدور الذى برعت فيه بعض الأسماء منذ عقود حتى الآن.

ما يحدث فى مصر الآن هو عملية متكاملة لإحكام السيطرة على هذا الوطن ووضعه فى إطار محدد هو بالتأكيد بعيد عن مفهوم وحلم الدولة المدنية الحقة، دولة القانون والمواطنة. وهذا غير بعيد عن كل تلك الظواهر التى نراها من حولنا ولا ندركها، أو ندركها لكن ندعى عدم إدراكها من محاولات السيطرة على مستويات الإدارة الوسطى والعليا فى أجهزة الدولة ومؤسساتها «كل مؤسساتها». كل هذا يحدث ويقف الليبراليون والمسجلون فى قوائم الليبراليين ليتنافسوا فى الظهور الإعلامى والهجوم الإقصائى والتخوينى، ويقف من يدير دون أن يحكم تاركاً الأمور لترسو حيثما اتفق وأينما يدفع التيار، وكلا الموقفين سيحاسبهم التاريخ عليه كما سيحاسب من سيشاركون فى صياغة «وثيقة امتلاك مصر» الجديدة المسماة الدستور إذا ما خرجت كما تشير الشواهد حتى الآن.

«لجنة الأشقياء» التى وضعت دستور ١٩٢٣ وقاطعها حزب الوفد والحزب الوطنى فى ذلك الوقت باعتبارها لجنة حكومية، عاد سعد زغلول ووافق على الدستور الذى أعدته هذه اللجنة التى سبق أن وصفها بهذا الوصف، وذلك لأنها جاءت تضم مجموعة من المفكرين وذوى الرأى ورجال القانون والعلماء ورجال الدين والسياسيين المعتدلين والأعيان والتجار ورجال المال، وكانت اللجنة تمثل كل أطياف المجتمع: الساسة ورجال الدين من المسلمين ومن المسيحيين، وأيضا من اليهود، إذ كانت فى مصر جالية يهودية كبيرة، فخرج دستور وافق عليه من اعترض على اللجنة فى البداية. إذن الأساس فى تشكيل لجنة لصياغة الدستور أن تكون معبرة بحق عن كل أطياف الأمة، وهو الأمر الذى أراه غائبا عما تم تمريره فى اللجنة سالفة الذكر.

ليسمح لى د. محمد نور فرحات باستخدام جزء مما صرح به مؤخرا عندما قال إن الدستور تمت صياغته بالفعل داخل أروقة حزبى الأغلبية ليتحول إلى وثيقة حزبية تضعها أغلبية برلمانية، ويضيف: «إن المادة الأولى الذى ستوضع فى الدستور الجديد ستكون: (مصر دولة نظامها ديمقراطى ذات مرجعية دستورية)»، مضيفاً: «ليس هناك اعتراض على المرجعية الدستورية بشرط أن تُحدد، هل جماعة العلماء التى ستشكل لبحث القرارات السياسية والإدارية لضمان عدم مخالفتها الشريعة الإسلامية مثل مجلس أوصياء الدولة الموجود بإيران ونرجع إلى ولاية الفقيه؟».

أظن هذا كلاماً مهماً يجوز أن نتبعه بسؤال: هل هناك عجلة فى صياغة الدستور حالاً أم أن الأفضل التأنى؟

أضف تعليق