التعايش مع كورونا

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

كتبت من قبل عن ضرورة عودة الحياة فى شرايين العالم بعد توقفه بشكل مفاجئ إثر جائحة كورونا، ما كان سيؤدى إلى كارثة أعمق وأضخم فى تأثيرها، وهى التحول من مجرد مكافحة وباء إلى مكافحة مجاعة فى المستقبل القريب.

كتبت أيضاً عن ضرورة التفكير فى اللحظة المقبلة، وهى الأهم من وجهة نظرى، وهى اللحظة التى لا أريد فيها أن نشعر بالخطر من توقف الحياة، إذ بدا لى بعد القرارات الحكومية الأخيرة بشأن تخفيف الإجراءات الاحترازية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، أنه صار من الواضح أن الحكومة تفكر بنفس الطريقة وبنفس المنهج.

بدا لى أن الجميع قد أدرك أن تغيير سلوكيات المواطنين هو طوق النجاة الحقيقى للوقاية من الفيروس، خصوصاً مع التوجه العام للحفاظ على دوران عجلة الحياة فى مصر، بل فى العالم كله.

قرارات التخفيف التدريجى- حتى وإن كانت بطيئة- فهى استجابة لواقع الحال، إذ أتت متماشية مع توجهات دول أخرى بإعادة عجلة الحياة للدوران من جديد، إذ باتت دبى على وشك فتح المراكز التجارية، فى حين فتحت الدول الأوروبية الباب شيئاً فشيئاً لحرية حركة المواطنين، حيث قررت ألمانيا عودة المدارس فى أوائل مايو، بينما سمحت إسبانيا بإعادة الحياة للملاعب الرياضية تدريجياً، ذلك بالتزامن مع حركة غير عادية فى المعامل لإيجاد حلول للفيروس.

لكن فيما يبدو أن الكل قد أدرك أن مسؤولية الحفاظ على النفس هى مسؤولية المواطنين دون غيرهم.. الكل أدرك أن السلوكيات هى المحك الرئيسى لمواجهة كورونا، فالعالم بدأ ينظر إلى الفيروس باعتباره أمراً وجب التعايش معه كأى فيروس آخر، حتى القضاء عليه، إما بمناعة الإنسان وقوتها المكتسبة، أو بعلاج ناجع أو بمصل واقٍ. ولذلك كان لابد من خروج الناس إلى الحياة، بعد قرارات الإغلاق والمنع.

كثير من سلوكيات المواطنين التى نراها يومياً قد تتسبب فى بقاء العدوى لفترة طويلة، لذا فإن النصيحة الوحيدة حالياً هى ضرورة تجنب ما هو ضار وفعل ما هو نافع. لابد مثلاً من الاعتماد على نظام غذائى صحى، وتغيير نمط الحياة بشكل عام، فالبُعد عن التدخين، وحل أزمة التكدس والتواجد فى التجمعات المزدحمة، والاستخدام السيئ للأدوات الشخصية، إضافة إلى تجنب لمس العينين والأنف، وغسل الأيدى بعد العطس والسعال، أمور مهمة لابد أن تتحول من إجراءات وقائية ضد الفيروس إلى أسلوب حياة.

درجة «حكيم»

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

كل عام وأنتم بخير..

سأحاول فيما أكتب خلال هذه الفترة أن أتناول ما يتواءم مع الأجواء المرتبطة بالشهر الكريم والأجواء العامة التى نعيشها. ولأننا نمر هذه المرحلة بالكثير من الأحداث والجدل والتنازع فيما بين مواقف وأخرى مناقضة، مما دفع إلى ذهنى سؤالا حول ما إذا كان من يدير هذه الرؤى وتلك الخلافات فى المجتمع من مؤسسات ومسؤولين عن هذه المؤسسات المتعددة يملك الحكمة أم أنها غائبة؟

ما دفعنى إلى تناول هذه الفكرة نقاش دار بينى وبين أحد المسؤولين عن إحدى جهات إدارة الخلافات فى البلد. طالبته بأن يكونوا هم الأكثر حكمة، لأن الحكمة هى التى يمكن أن تصب من أجل الصالح العام. إن كنا حريصين عليه.

الحكيم فى معاجم اللغة العربية هو الشخص الذى يتصف بالروية والرأى السديد فى القول والفعل، فلا يقول إلا صواباً، ولا يفعل إلا ما هو صحيح ومعقول بعيداً عن قرارات العاطفة، والحكيم اسم من أسماء الله جل وعلا، وصفة من صفاته قد يختص بها من يشاء من عباده. والحكمة عكس السفه، وتعنى وزن الأمور بميزانها الصحيح.

الصفات الذهنية التى تميز الشخص الحكيم قد تتجلى عند شخص فى مجال ما فى مرحلة محددة فى حياته فنعتبره إنسانا حكيما، لكن هذه الصفات قد تخبو أو تقل مع الزمن فهى ليست مرتبطة بالجينات كلون العينين وطول القامة، بل هى صفات إدراكية يمكن تنميتها والحفاظ عليها بالخبرة والممارسة.

لا ينشد الحكيم تطوير حياته فقط، بل تطوير الحياة ذاتها. أى تحسين أحوال مجتمعه.

ولأن الاختلافات فى الرؤى جزء أساسى فى الحياة، وحلها يحتاج إلى الحكمة، فإن الحكيم ينشد التفاهم للوصول لتسوية ملائمة للخلاف حين يحدث، ويفضل مواجهة الخلاف والنقاش حوله للوصول لتسوية ما بشكل تفاوضى لا صدامى.

يرجع هذا السلوك للصفات العقلية المتطورة التى يتمتع بها الشخص الحكيم، ومن ثم يستطيع الوصول لمواءمات تتفق مع رؤيته الأكثر شمولا لموضوع الخلاف.

لدينا الكثير مما يحتاج إلى الحكمة. ويظل الحوار هو أحد عناصر الحكمة الرئيسية. وكما ذكرت بالأمس فإن أحد العناصر الأساسية التى دعا إليها الرئيس بالأمس هو تأصيل مفهوم الحوار العلمى المبنى على الحقائق. والأكيد أن من الحكمة دائما إدارة الحوار بين الأطراف. وهذه أمور تحتاج إلى أن يكون هؤلاء المسؤولون فى أماكنهم المتعددة بدرجة «حكيم».

عائد التنمية أمن قومي

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

أمس أكد الرئيس السيسى على مبدأ مهم في مسألة مفهوم العائد من الإنفاق على المشروعات بشكل عام والمشروعات التنموية في سيناء على وجه التحديد. العائد الاقتصادى هو الحكم بشكل عام في دراسات المشروعات، ولكن هناك مشروعات ذات طبيعة خاصة لو طبقنا عليها مبادئ الاستثمار والاقتصاد فقط لكانت خاسرة. لكن الدولة تقوم بتنفيذ هذه المشروعات لأن عوائدها لا تقدر بعوائد اقتصادية مباشرة بل بكثير من العوائد التي تصب في المصلحة العامة وتطوير البلد. وهناك نوعية أخرى من المشروعات التي يكون عائدها «الأمن القومى»، كما قال الرئيس على العائد المتوقع من استثمارات الدولة في سيناء التي تجاوزت ستمائة مليار جنيه. هذا مفهوم نريده حاضرا في أذهان كل من يتصدى للحديث عن سيناء، سواء من منطلق أمنى أو استثمارى. الزوايا يجب أن تكتمل وتتكامل تحت مظلة واضحة أكدها الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، هي الأمن القومى.

لا يقل أهمية عن ذلك ما طرحه الرئيس بالحث على اتباع الأسلوب العلمى في المناقشة التي يجب أن تكون مبنية على المعلومات والحقائق لا الانطباعات والتأويلات، حث على دراسة أمر تنمية سيناء من كافة الجوانب. وحث الجميع على بذل الجهد لاستيضاح ما تم ويتم فعله في سيناء. حث المستثمرين ورجال الأعمال على المشاركة في التنمية والإعمار، وهو أمر يدل على بُعد نظر وإلمام بالأزمات التي تمر بها الدولة، إذ إن حديثه لم يخل من مرارة عدم مشاركة المستثمرين في الأعمال والمشروعات التي انتهت منها الدولة بالفعل، مثل بحيرة غليون، بالذكر في هذا الأمر.

أؤكد من جديد، وبناءً على كلمات الرئيس أمس، أن الدولة المصرية فعلت الكثير في سيناء، فالمشروعات التنموية، ومنها مشروعات الأنفاق تحت قناة السويس، ومشروعات التنمية السكنية، وشبكة الطرق، ومحطات الرى والصرف والتحلية، وكذلك البيوت البدوية، والمشروعات التعليمية والثقافية، أمور لا خلاف ولا جدال عليها.

مرة أخرى، هذه المشروعات ليس هدفها مكسباً مادياً للدولة، ولكن هدفها الأمن القومى الذي لا يُقدر بمال، وأن ما أُنفق عليها، ويصل إلى نحو 600 مليار جنيه في 6 سنوات، وهو وقت قياسى، لا يستهدف سوى أمن مصر، الذي لن يتأتى إلا بالتنمية السليمة.

في أجواء احتفالات مصر بالعيد الـ38 لتحرير سيناء، أتمنى استعادة الروح التي كدنا نفقدها، روح الخلاف من أجل حلم واحد، وهو التنمية من أجل الأمن القومى، بمشاركة الجميع. فمصر ملكنا جميعاً، ولن تتقدم إلا بالمناقشة والفكر والإبداع، وهو المنهج الذي تبناه الرئيس.

أخيراً، نحن «نجرى على حلمنا» كما قال، وسوف نظل نجرى حتى تحقيق الحلم الذي يجعل من سيناء نقطة مهمة ومضيئة للانطلاق نحو المستقبل.

قواعد الانطلاق للمستقبل

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

في وقت انشغال الدولة بتداعيات فيروس «كورونا»، وتنفيذ إجراءات الحكومة لمواجهة الأزمة، في وقت يحاول الكثيرون فيه إعادة عجلة الحياة من جديد، بحيث تكون مكافحة الفيروس واستمرار العمل على كافة المستويات وجهين لعملة واحدة، يُهمل البعض كثيراً من الملفات، منشغلين في معارك صغيرة، وكأنها ستوقف الدنيا ولا تقعدها.

أتصور أن أهم ما لابد أن يُطرح على كل موائد الحوار، سواء في اجتماعات الحكومة والبرلمان، بل وفى الفضائيات وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية والسوشيال ميديا، هو مرحلة ما بعد «كورونا»، وذلك من خلال مناقشة أكثر من ملف وأمر لرسم صورة المستقبل خلال الفترة المقبلة. علينا أن نستغل هذه الفترة من التوقف الإجبارى للاستعداد لما بعد كورونا. نستغل الوقت لدراسة الملفات ووضع الخطط العلمية الصالحة للتنفيذ في كل ملف من هذه الملفات.

أتصور أن أكثر من ملف لابد من فتحه، منها على سبيل المثال ملفات الصناعة الوطنية، والزراعة، واستعدادات الجهات والوزارات المعنية لكافة سيناريوهات ملف سد النهضة.

ملف السياحة الذي تضرر في مصر، كما في كل العالم، بفعل الأزمة، وربما ستمتد آثاره في كل دول العالم لفترة طويلة، أتخيل أنه يجب أن يكون موضع اهتمام، حيث إن إعادة مكانة مصر السياحية، والتى أخذت الدولة المصرية فيها خطوات ناجحة خلال السنوات القليلة الماضية، لن تكون بالسهولة في الفترة المقبلة.

أتصور أيضاً أن مناقشة دور سيناء كركيزة للانطلاق لدعم الاقتصاد الوطنى المصرى في المرحلة المقبلة، لابد أن يُطرح للمناقشة. وذلك استعدادا لمرحلة الانطلاق التالى.

بالفعل، الدولة أبدت اهتماماً كبيراً بشبه جزيرة سيناء، ليس اهتماماً مقصوراً على مجرد تخليصها من بؤر الإرهاب والتطرف الأسود، بل أيضاً اهتمام في مسألة التنمية، وذلك عن طريق عدد كبير من المشروعات، منها مشروع الأنفاق أسفل قناة السويس، وتطوير مطار العريش الدولى، إلى جانب مشروعات ربط سيناء بغيرها من المدن بمشروعات للسكك الحديدية.

اهتمت الدولة أيضاً بتنمية منطقة شرق بورسعيد، وإنشاء 24 طريقاً بإجمالى أطوال 1922 كيلومترا، إضافة إلى تنفيذ 5 مشروعات إسكان، بإجمالى 80995 وحدة، وإنشاء تجمعات عمرانية جديدة، مثل مدينة رفح الجديدة، ومدينة سلام بشرق بورسعيد، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، وكذلك إنشاء 3 مستشفيات، ومخزن للأدوية، ورفع كفاءة 10 مستشفيات أخرى، إضافة إلى تنفيذ 4 مشروعات صناعية كبرى، غير 49 مشروعاً لمحطات تحلية وتنقية المياه وغيرها.

أود أن نهتم أكثر بتهيئة المناخ للمستثمرين، وإزالة المعوقات القانونية لذلك، ما سيؤثر بالإيجاب على التنمية في هذه المنطقة، ويجعلها بالفعل قاعدة حقيقية يمكن البناء عليها في تخطى مصر لتداعيات أزمة الفيروس، التي حتماً ستؤثر على الخطوات المرسومة من الدولة لتحقيق التنمية.

أتوقع أن تكون سيناء بمشروعاتها الحالية والمقبلة، وتنميتها، ودور الحجر والبشر في ذلك، هي إحدى أهم قواعد انطلاقنا نحو المستقبل.

اليوم التالى لا يجب أن يكون بعيدًا «3»

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

كما أشرت من قبل، فإن الهرم السكانى المصرى له صفات مختلفة عن التركيبة الديموجرافية للنموذج الغربى. مصر مجتمع شاب، الأكثر من 60 عاماً يمثلون 8% فقط من تعداد سكانه، وتتركز فى هذه النسبة معظم من يعانى من أمراض مزمنة.

ماذا يعنى هذا فى تحليل مخاطر كورونا؟. أو بمعنى آخر، ما هى النسبة الأكثر تعرضاً لاحتمالات الإصابة بالفيروس بين المصريين؟ وهل كانت الإجراءات المتخذة فى الحدود المطلوبة؟، وهل من المناسب الاستمرار فيها أم المطلوب البحث عن أساليب مختلفة؟.

من المهم أن نحاول الإجابة بهدوء عن هذه التساؤلات، وأن نحاول تحليل الحقائق والمعلومات المتاحة، وأيضاً دراسة تأثير ما اتخذ من إجراءات حتى الآن.

أتصور أن هذا دور وواجب مهم علينا القيام به، ليس من أجل تسجيل المواقف، ولكن كخطوة أولى ومهمة لوضع استراتيجية للتعامل مع ما اتفقنا على وصفه بـ«اليوم التالى» الذى يجب أن يبدأ اليوم وليس غداً.

وفقاً لما سبق، لا سيما بخصوص التحليل المبسط لتأثير العامل الديموجرافى والأمراض المزمنة على احتمالات الإصابة بكورونا واحتمالات الوفاة بسببها، فسنجد أن مصر فى منطقة أكثر أماناً مقارنة بغيرها من المجتمعات الأخرى.

وبتطبيق هذه المعايير سنجد أن حجم من يواجه احتمالات الإصابة بالفيروس يقل عن 10%، فهل وسيلة حماية هؤلاء تتطلب أن نتخذ من الإجراءات ما يؤدى إلى الإغلاق التام وشلل المجتمع؟ هل الاندفاع بهاجس الخوف والهلع يجيز لنا أن نوقف عجلة الإنتاج، ونصيب المجتمع بحالة من الوقوف التام؟.

■ ■ ■

أقدِّر تمامًا المخاوف التى سيطرت علينا طوال الفترة الماضية، ولكن أظن أنه قد آن الأوان لإعادة النظر وتصحيح المسار. فإذا ما توقفت عجلة الإنتاج فى هذا البلد فلن يكون من السهل إعادة تشغيلها مرة أخرى. والأكثر خطورة من ذلك أننا يجب أن ندرك أن هناك فارقا كبيرا بين أن نكون مجتمعا يواجه أزمة فيروس، وبين مجتمع قد يواجه مجاعة.

هنا من المفيد استعراض أرقام أساسية مصدرها الجهاز المركزى للإحصاء تفيد بأن عدد العاملين فى الدولة حوالى 26 مليون، منهم حوالى خمسة ملايين يعملون بالدولة، والباقى فى القطاع الخاص الرسمى وغير الرسمى، وأن نسبة العاملين بعقد قانونى فى القطاع الحكومى تبلغ 96.1%، بينما نسبة العاملين بالقطاع الخاص (داخل المنشآت) تصل إلى 31.1%، وتصل هذه النسبة إلى أقل مستوياتها بين العاملين فى القطاع الخاص (خارج المنشآت) حيث تبلغ 2.7% من جملة العاملين بأجر فى هذا القطاع.

ماذا يعنى هذا الكلام؟ ببساطة ومن دون تعقيد فإن النسبة الكبرى من العمالة فى مصر هى من القطاع الخاص، وأن أغلبهم لا يعملون بعقود قانونية تحمى حقوقهم أو تؤمِّن حياتهم، وأن توقف عجلة الإنتاج سيعنى عمليات «تسريح جماعية» لهذه العمالة أو انعدام وجود دخل لهؤلاء، بسبب عدم وجود أى نشاط اقتصادى. هذا يعنى أن تتحول هذه العمالة إلى بطالة تملأ البلد بطوله وعرضه، وأن هؤلاء سيتحولون إلى أشخاص يعانون شدة الفقر والاحتياج. وهو ما يعنى أننا سنتحول من مجتمع يعيش الهلع من فيروس، إلى مجتمع يواجه مجاعة، وهذا ما لا يجب أن نسمح بأن نصل إليه.

■ ■ ■

ليست مصر وحدها هى التى تعانى- وسوف تعانى أكثر- بسبب فيروس كورونا، فالوضع الاقتصادى العالمى ككل سيكون أسوأ مما يمكن أن يتخيل إنسان. يمكن القول من دون مبالغة إن الآثار الاقتصادية السلبية للفيروس مدمرة بشكل أكثر كثيراً من آثاره الصحية أو تأثيره على حياة البشر.

وكما أشرت من قبل فإن كل أشكال وأرقام الدعم التى تقدمها الحكومات على طول العالم وعرضه لن تتمكن من التخفيف الملموس للأثر الاقتصادى السلبى وحالة الركود الاقتصادى الحاد، الذى لن تتمكن كثير من التكتلات والدول من الخروج منه فى وقت قصير.

اعتقادى الشخصى، الذى لا أظن أن كثيرين يشاركوننى فيه حالياً، أن السبب فى ذلك هو أسلوب تعامل مختلف الدول والمنظمات والكيانات فى العالم مع الأزمة. وأثق أنه مع الأيام سيزداد عدد من يعتقدون فى صحة ذلك. لقد قامت الدولة المصرية بالتعامل مع الأزمة بأسلوب يتشابه مع كثير من دول العالم، مع الوضع فى الاعتبار اختلاف الإمكانيات لكل دولة. قامت الدولة باتخاذ مجموعة من الخطوات والإجراءات ووضع حزمة من الخطط للحد من انتشار الفيروس، منها إغلاق جميع المرافق الترفيهية والمقاهى ومراكز التسوق والمطاعم، حظر حركة المواطنين ..إلخ، وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات سوف تؤدى إلى حدوث تباطؤ اقتصادى إلا أنه أمر مقبول ومفهوم فى ظل الحالة العامة التى سادت العالم.

أداء الدولة فى هذا الإطار يلقى قبولاً من الرأى العام، لكن التحدى الأكبر هو إدراك مخاطر الاستمرار فى هذا الإغلاق، أو التزيد فى إجراءات تضييق الحركة والإنتاج كما هو حادث.

المعادلة هنا هى كيف يمكن تحديد الآليات المستخدمة للتعامل مع الفيروس ومحاربته والحد من انتشاره، وفى نفس الوقت تفادى حالة الركود التام التى يمكن أن تترتب على انتشار الفيروس أو الإغلاق التام؟!.

■ ■ ■

أتصور أن أطرافًا عديدة قدمت تصورات للتعامل مع الموقف الحالى، ولكن كل المطلوب الآن أن ينفتح صانع القرار على تلك الأفكار والتصورات ليناقشها ويقرر ما يصلح أن يكون استراتيجية عاجلة للتعامل مع الوضع الأكثر خطورة من مواجهة كورونا.

وعند الوصول إلى مكونات هذه الاستراتيجية، وقتها تخرج القيادة السياسية على الشعب لاستعراض هذا الطريق الذى يمكن أن يكون مخرجاً لنا. وأن يشارك فى هذا التواصل مع الشعب والرأى العام مجموعة ممن يحظون بثقة الناس- بحق- لمكانتهم العلمية ومصداقيتهم فى مجالى الطب والاقتصاد والتواصل مع الجماهير. وأن تتولى هذه المجموعة الإشراف على تنفيذ الخطة التى يتفق عليها. وأن يتم الإعلان عن موعد مستهدف لعودة المجتمع إلى العمل والحياة.

■ ■ ■

ما سأستعرضه من أفكار تالية هو نتاج لنقاشات مع مهتمين بالشأن العام من متخصصين ومتابعين، وأظن أن مثل هذه التصورات فى حوزة الدولة عدد منها.

الفكرة الأساسية تعتمد على أن يتم تقسيم الشعب المصرى إلى مجموعتين، الأشخاص الأكثر عُرضة للخطر (أى كبار السن ومن يعانون من ضعف فى جهاز المناعة بسبب أمراض مزمنة) وهؤلاء تتراوح نسبتهم بين 5% و10%، والأشخاص الأقل عرضة للخطر وهم البقية، حيث يتم الإعلان عن تاريخ محدد للخروج من الأزمة، بحيث يستأنف جميع الأفراد الذين يقعون ضمن الفئة الثانية- الأقل عرضة للإصابة- حياتهم الطبيعية والمهنية مع الالتزام بقواعد النظافة والإجراءات الوقائية، واستمرار اتباع الإجراءات المتخذة فى التعامل مع الفئة الأولى- الأكثر عرضة للإصابة والوفاة- حتى انتهاء مدة الحجر.

ويتم عزل الأشخاص المعرضين لخطر كبير لمدة الحظر المقررة من خلال الحجر الصحى المنزلى، مع وضع حلول مناسبة لتنفيذه بالمناطق الريفية والشعبية. هذا الأسلوب سوف يضمن توجيه إمكانيات الدولة الصحية لحماية هؤلاء وتأمينهم.

يتوازى ذلك مع توفير حاجاتهم الأساسية دون الحاجة إلى مغادرة المنزل، وأيضا توفير كل الاحتياجات الطبية من أقنعة ومطهرات لكل من يحتاج. هذا سيؤدى إلى انخفاض معدلات الإصابة بالفيروس، خاصة بين الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، وزيادة قدرة المستشفيات لعلاج المزيد من مرضى الفيروس.

إضافة إلى توجيه حملات إعلامية مهنية- بحق- وبشكل مكثف من خلال كل وسائل الاتصال المتاحة لنشر الوعى وشرح الفرق بين فيروس كورونا، والإنفلونزا العادية، وتأثير كل منها على الأشخاص الأكثر عرضة للخطر، وتأثيره المعتدل أو المتوسط على الآخرين.

أى ببساطة نشر الوعى الطبى لعموم الشعب المصرى بكافة الوسائل والسبل والتأكيد على أن هذا الفيروس قابل للشفاء عند الأشخاص العاديين.

أيضا توجيه حملات إعلامية مهنية- بحق- وبشكل مكثف للحفاظ على العادات الصحية الجديدة، وانتشارها على هذا النطاق، مثل الحرص على النظافة الشخصية، وانتشار مفهوم الأمان الصحى وتقليل العدوى وانتشار الفيروسات.

■ ■ ■

أخيراً أنا هنا لا أهدف بأى حال من الأحوال إلى التقليل من خطورة الفيروس ومدى فتكه المحتمل على عديد من الناس، حيث إننى لا أدعو على الإطلاق للتفريط فى صحة القطاع الأقل عرضة للإصابة، بل على العكس، أريد من الدولة اتخاذ إجراءات الحماية والوقاية، والتى تؤدى إلى مزيد من الحرص على الأرواح، وكذلك إبقاء اقتصاد الدولة متعافياً، وبعيداً عن الانهيار، مع ضمان أقصى درجات الحماية للعائدين إلى العمل والإنتاج فى ظل إجراءات صارمة تقرها الدولة للحماية ومنع العدوى ويلتزم بها الجميع.

لابد أن تعود الأمور إلى نصابها لمحاصرة خطر الفيروس والنجاة بالبلد من ويلات وضع قادم ما لم نستعد له بشجاعة وعلم.

اليوم التالي لا يجب أن يكون بعيدًا «2»

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

قبل أن ننتقل للحديث عن الحالة فى مصر، وكيف يمكن أن نتعامل مع واقعنا، وكيف نضع تصورات للاستمرار فى الحياة دون هلع ورعب، ودون تهوين أيضاً، فإنه قد يكون من المناسب أن نحلل بعض الأرقام المتاحة والتى من الممكن أن تساعدنا فى إعادة النظر فى حدود الخطر الذى يواجهنا، وفى وضع السبل المتوافقة مع الواقع، ومع أهدافنا.

بالنظر إلى نماذج بعض الدول التى واجهت هجمة قوية، ودفعت ثمناً كبيراً حتى الآن، وتحليل الوضع الخاص بها، فإننا سنلاحظ أن العوامل «الديموغرافية» تقدم تفسيراً واضحاً لتزايد أعداد الوفيات فيها.

السمة الرئيسية التى تتميز بها هذه الدول هى ذلك الاختلال الواضح فى الهرم السكانى وانتشار الشيخوخة فيها. فإيطاليا مثلاً بها 18 مليون شخص تجاوزوا الـ60 عاماً، أى حوالى 30% من إجمالى السكان، أما ألمانيا فيوجد بها 24 مليونا فى نفس المرحلة العمرية، وهى نسبة تقترب كثيراً من نظيرتها فى إيطاليا.

كذلك بقية الدول الأوروبية، حيث إن متوسط نسبة من تجاوزوا الـ60 فيها يصل إلى أكثر من ربع عدد السكان بقليل. فى المقابل، فإنه يُلاحظ انخفاض واضح فى نسبة الأطفال والشباب فى الغرب، وهذا ما يؤكده مؤشر «وسيط العمر»، الذى يقسم السكان إلى نصفين متساويين، نصف أعلى ونصف أقل، فمتوسطه فى أوروبا كلها يصل إلى 40 سنة، بينما فى إيطاليا يصل إلى 47 عاماً.

هذا إن دل فإنما يدل على أن المجتمع الأوروبى مجتمع يعانى من شيخوخة، وهذا بالمقارنة مع أرقام دولة مثل مصر، فنسبة السكان الذين تعدوا الـ60 عاماً تصل إلى 8%، فى حين تتراوح بين 5% و10% فى الدول الإفريقية وجنوب آسيا.

أما مؤشر «وسيط العمر» فى مصر فهو 25 سنة، وهذا يعنى ببساطة أن الحالة الديموغرافية لمصر أكثر صحة من مثيلتها فى أوروبا، بغض النظر عن أسباب هذا الأمر، وهذا أيضا يفسر جزئياً ما مرت به هذه الدول، ومازالت، فى معاناتها مع «كورونا».

كل المؤشرات المتوفرة حتى الآن تشير إلى أن احتمالات الوفاة بسبب فيروس «كورونا» ترتفع بشدة بين كبار السن، ففى الحالة الإيطالية، وفقا للدراسة التى أجراها مركز المستقبل للدراسات حول تأثر القارة الأوروبية بالفيروس، فإن احتمالات الوفاة تصل إلى 19.7% بين الأفراد فى الفئة العمرية 80- 89 سنة، وتصل إلى أقصاها فى الفئة العمرية 90 سنة فأكثر، حيث تبلغ احتمالات الوفاة 22.7%.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 96.5% من الوفيات التى حدثت فى إيطاليا بسبب فيروس كورونا كانت لأشخاص أكثر من 60 عاماً، موزعة كالتالى: (44.1% من الوفيات كانت لأشخاص فى الفئة العمرية 79- 60 سنة، و52.3% من الوفيات كانت لأشخاص فى عمر 80 سنة فأكثر)، بينما تتضاءل احتمالات الوفاة بين فئات العمر الصغيرة، ولا تتجاوز 0.3% بين الأفراد فى الفئة العمرية 30- 39 سنة.

الملاحظة الأخرى هى تصاعد مخاطر الوفاة لذوى الأمراض المزمنة، حيث تشير التقديرات الإحصائية إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة هم الأكثر عرضة للوفاة بسبب فيروس كورونا. وهذا البعد يجب أن يكون حاضراً أثناء تحليل الوضع العام للأزمة، قبل أن نناقش الحالة المصرية.

اليوم التالي لا يجب أن يكون بعيدًا «1»

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

العالم كله الآن فى عين الإعصار المسمى كورونا، ذلك الإعصار الذى ضرب العالم فأصاب الجميع بالذعر والهلع، الذى تُرجمت ردود فعله فى صورة إجراءات وقرارات، لم تضع كافة العناصر المحيطة بالأزمة فى الاعتبار.

ونتيجة لهذه الحالة وتلك القرارات، واجه العالم لأول مرة حالة تقترب من الإغلاق التام. لست فى حاجة هنا إلى وصف ملامح ما حدث ويحدث، فجميعنا نراه ونعايشه ونعانى منه.

عندما تهدأ الأمور قليلا فإن المتوقع أن تُطرح العديد من الأسئلة، لا سيما حول مدى صحة الطريقة التى «هرول» إليها العالم فى إدارة الأزمة الفريدة من نوعها. وإلى أى مدى كانت الإجراءات التى اتخذت هى الأصح، وهل كان يمكن تجنب- ولو جزءًا- مما واجهت البشرية؟.

ما أطرحه اليوم من أفكار أظن أنها بدأت تطل برأسها، ولو بصوت خافت، فى أوساط متعددة. وأنا هنا أطرحها للنقاش بعقلانية وواقعية وبأسلوب علمى للوصول إلى نتائج منطقية.

ما أقصده هنا بمفهوم «اليوم التالى» هو التحصن بالاستعداد لمواجهة مختلف الاحتمالات بردود فعل مناسبة لما بعد الأزمة. أضيف على ذلك أننى أتصور أن هذا اليوم التالى يجب أن يكون سريعا، أى أن نتصرف من الآن على أننا بدأنا بالفعل اليوم التالى.

أتصور أنه يجب الخروج من حالة الحصار الذى اندفعنا نحوها تلك، مثلنا مثل باقى دول العالم، والانغماس الكامل فى محاربة الفيروس من المنظور الطبى فقط، والإنجرار فى العديد من قراراتنا متأثرين بحالة الهلع التى أصابت العالم وبالتالى الرأى العام لدينا.

■ ■ ■

سأبدأ بمحاولة تفسير حالة الهلع التى سيطرت على كل متخذى القرار فى العالم لمواجهة الفيروس، وهنا استدعى من الذاكرة ما قاله جورج كليمِنصو (1841-1929) رئيس وزراء فرنسا عدة مرات، أهمها أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما قال إن «الحرب مسألة خطيرة، وأخطر من أن تُترك للجنرالات».

وبتطبيق هذه المقولة على الأزمة الراهنة يمكن القول إن أسلوب مواجهة الفيروس وانتشاره فى المجتمعات وتأثيراته الاقتصادية والمجتمعية كانت أخطر من أن تترك قيادة الأزمة فيها فقط للأطباء ولمنظمة الصحة العالمية، مع التقدير الشديد والامتنان للأدوار التى قاموا بها فى حفظ الأرواح والأنفس، وفى محاولة كبح جماح انتشار الفيروس، خصوصا فى عدم وجود حل طبى لما نواجهه، والاكتفاء فقط بالتنبيه على الإجراءات المتخذة.

إن إدارة هذه الأزمة مرت بالعديد من العثرات والأخطاء والمطبات التى وصلت بنا إلى الوضع الحالى، حيث إن الأطراف التى تسببت فى الوصول إلى ما نحن فيه متعددة وكثيرة. ويمكن الإشارة إلى أسلوب التعمية الذى اتبعته الصين فى البداية، إضافة إلى تراخى بعض الدول فى التعامل بأسلوب صحيح وواقعى فى المراحل الأولى من انتشار المرض.

ربما كان اتهام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعدم التعامل بجدية مع الأزمة من بدايتها من قبل خصومه السياسيين، جعله يفقد جزءا ملموسا من شعبيته، خصوصا أن الانتخابات قد اقتربت، وهو ما دفعه إلى التشدد فى اتخاذ إجراءات منع الطيران مع أوروبا، الأمر الذى أثار ذعرا إضافيا على كافة المستويات فى العالم، فبدأت كل الأطراف فى التوجه نحو التشدد المبالغ فيه، وبدا أن العالم يتجه نحو النهاية.

وفى هذه الأجواء، عاش البشر فى حالة ذعر وهلع مبالغ فيها، وبدأ الرأى العام فى كل أنحاء العالم يضغط على حكوماته التى خضعت لهذه الحالة فأغلقت المدارس كاملة، وأغلقت الأعمال إما تماما أو جزئيا، وهو أمر لاقى درجة عالية من الرضا لدى الرأى العام. وكان الحاكم الوحيد هنا هو تلك الأجواء التى استحضر فيها كل إنسان ما شاهده من أفلام أنتجتها هوليوود عن الأوبئة، والعداد اليومى، بل اللحظى لحالات كورونا، سواء من إصابات ووفيات ومتعافين.

قبل أن أتابع، أريد التذكرة فقط، فأنا هنا لا أقلل من خطورة الفيروس وأهمية التعامل معه بجدية، لكنى أناقش هل هذه الجدية كان مبالغا فيها؟ هل حضرت فى ذهن متخذى القرار على مختلف المستويات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا التوجه؟ هل دراسة الواقع والأرقام والإحصاءات فى الدول الأكثر تضررا بالفيروس كانت عنصرا حاكما فى اتخاذ القرار؟ أم أن أجواء «الوباء المدمر» للكون هى الحاضرة؟ وإلى أى مدى كان «الضعف» السياسى أمام الرأى العام حاضرا ومؤثرا؟

■ ■ ■

الوقت ليس متأخرا لتصحيح الاتجاه، خصوصا، وكما قلت، أن هناك نغمة بدأت بشكل خافت تعزف على أوتار الخسائر الاقتصادية الكبيرة التى تضرب العالم بشكل لحظى، وأعتقد أن هناك حاجة إلى الاستماع إليها ومناقشتها.

كما أن هناك شعورا بدأ فى التنامى، مفاده أن الأرقام التى رصدتها الدول المختلفة بمستوياتها المختلفة مهما عظمت، لن تكون قادرة على تلبية الاحتياجات أو معالجة الآثار الناجمة عن حالات الغلق الجزئى أو التام للأنشطة الاقتصادية.

ولا أستثنى هنا حتى القوة الأكبر فى العالم، الولايات المتحدة الأمريكية، فإن التريليونات الأكثر من ثلاثة لن تكون كافية لإصلاح الخلل. والمتفائلون من الخبراء يعتقدون أن العالم لن يعود إلى وضعه منذ أشهر إلا بعد سنوات ثلاث على الأقل لو سارت الأمور بشكل جيد. أما عن الدول الأخرى فالوضع يبدو شديد التعقيد.

الأكيد أن الأمر لن يعود أبداً كما كان، لذا لابد هنا أن نبدأ فى وضع استراتيجيات «اليوم التالى» مبكرا، بل اعتبار أنه قد بدأ بالفعل.

غدًا، ننتقل للحديث عن الحالة فى مصر، وكيف يمكن أن نتعامل مع واقعنا، وكيف نضع تصورات للاستمرار فى الحياة دون هلع ورعب، ودون تهوين أيضا.

Egypt attempts to strike a balance in COVID-19 battle

by DR. ABDELLATIF EL-MENAWY

Like the rest of the world, Egypt is faced with a question. The country’s situation in terms of the number of coronavirus disease (COVID-19) cases and deaths may not be very dangerous compared to others. Egypt has passed 1,500 cases, with a mortality rate of 6 to 7 percent. As for cured cases, Egypt’s rate is among the best in the world, according to the Ministry of Health.

The situation in Egypt today is not critical, but it may soon be so — it could get out of control within a few days if Egyptian citizens do not commit to the strict instructions and preventive measures taken by their government to prevent the spread of the virus. But is the duality of the state and citizens in Egypt, with its cultural and intellectual specificities, capable of defeating COVID-19? This is the question many are now asking and, in order to get close to answering it, we must take a look at how the government has handled this crisis from the start.

The first COVID-19 case in Egypt was announced on Feb. 14 and the patient was a foreigner. Preparations at the time were not at an emergency level, but they became more serious in early March, when 12 cases were confirmed aboard a Nile cruise ship that was sailing between Luxor and Aswan. The Ministry of Health moved quickly, quarantining and treating confirmed cases; testing those who were in contact with them; building a system to monitor, investigate and follow up on new cases; importing the supplies needed for carrying out COVID-19 tests; equipping its labs across the country to provide the tests; updating inventories and keeping track of the number of hospital beds, equipment and staff; developing a protocol for physicians to diagnose and treat COVID-19 cases; and designing informative awareness messages for the community to reduce the number of new cases.

The ministry identified a list of 27 hospitals (one in each governorate) to conduct tests and diagnose suspected cases, while quarantining them until the results are produced, in addition to preparing isolation hospitals. With the increasing number of cases, the government started to treat the matter as a wartime plan. It took a number of preventive measures, the most important being the infusion of billions of Egyptian pounds into the Egyptian Exchange and exempting investors and businessmen from fines and taxes.

In terms of health measures, flights to and from Egypt have been suspended, schools have been closed until further notice, the number of government employees has been reduced, cafes, restaurants, cinemas and malls have been closed, and a partial curfew has been imposed between 7pm and 6am.

The Egyptian government is facing two crises in its plan. The first is that Egypt, like most affected countries, does not have enough equipment to expand the scope of COVID-19 testing. According to a report issued on March 27 by the World Health Organization technical support mission sent to Egypt from Geneva, the country currently has the capacity to conduct 200,000 tests. Health Minister Hala Zayed said recently that the ministry had conducted about 25,000 tests so far. Things may get out of control if the number of cases rapidly increases, which would mean a higher number of people to test. The government may not be able to manage due to the limited number of test kits available.

Things may also get out of control if the number of cases exceeds the capacity of the isolation and quarantine hospitals. This, according to Prime Minister Mostafa Madbouly, would bring us to the third stage, which is the strictest in terms of taking measures, but he is betting on the citizens’ awareness. This brings us to the second crisis facing the government in its fight against coronavirus, which is Egyptian citizens’ awareness.

The goal is to maintain the relative balance between sustaining the business cycle in the country — not reaching the imperative of full closure — and the partial curfew currently in place. We must, therefore, work to ensure that things do not get out of control if the number of cases rises.

Perhaps there are some negative aspects that impact the performance of the government in the crisis, and it is clearly affected by the global as well as the local situation. As for the Egyptian citizens, there are those who believe that a large segment of society has not fulfilled its duty to stop the spread of the virus — at least until now. But there are convincing responses to this accusation, the simplest of which is that most of those who are not committing to the measures are being prevented from doing so by their living conditions. They must work to be able to live, and they must commute using public transport — they cannot afford to avoid mixing with others.

The biggest reason for concern is the continued gatherings and complacency in practicing social distancing. This can be seen, for instance, in Cairo’s subway, which transports about 3.5 million people every day and continues to operate from 6am until 7pm. This is normal in light of the current situation and the inability to make a decision that is stricter than the partial closure. Gatherings can also be seen in supermarkets, street markets, major commercial squares and streets, and big cities, most notably Cairo and Alexandria.

The biggest reason for concern is the continued gatherings and complacency in practicing social distancing.

Perhaps the government is attempting to maintain a delicate balance between warning the population of what is expected in terms of a rising number of cases on the one hand and avoiding mass panic on the other. But this attempt must not last long, and different measures must be taken to ensure the success of the partial curfew, so that it can suffice without reaching a complete curfew.

Strict measures to deal with violators may work in the short term, but effective steps to change the culture of the Egyptian mind require more work, starting with educational institutions and continuing throughout life. As I wrote this article, I read news about the dispersal of several gatherings in different places across the country. People have also gathered to perform Friday prayers in defiance of the decision to ban prayers in mosques and churches. This is a cultural issue.

حتى لا نصل إلى الحظر الكامل

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

الهدف الآن هو الحفاظ على ذلك التوازن النسبى بين الحفاظ على دورة العمل فى البلاد مستمرة وعدم الوصول إلى حتمية الإغلاق الكامل وبين الحظر الجزئى القائم حاليا. وبذلك يجب العمل على ألا تخرج الأمور عن السيطرة إذا ما زادت الحالات المصابة، والتى تزيد بالتبعية عدد البؤر المصابة، وأعداد المخالطين المحتمل إصابتهم بالفيروس، وهو ما يعنى مزيداً من حالات الفحص التى قد لا تستطيع الدولة القيام بها، فى ظل وجود عدد محدود من الفحوصات.

ربما تخرج الأمور عن السيطرة، كذلك إذا ما زادت الحالات المصابة، وأصبحت أكثر من القدرة الاستيعابية لمستشفيات الحجر والعزل، وهو ما يدخلنا- كما يقول رئيس الوزراء المصرى- مصطفى مدبولى- إلى المرحلة الثالثة الأشد صرامة فى اتخاذ الإجراءات، لكنه يراهن على وعى المواطن.

ربما تكون هناك بعض السلبيات التى تشوب أداء الدولة فى الأزمة، وتتأثر بشكل واضح بالوضع العالمى وأيضا المحلى. أما بخصوص المواطن المصرى، فهناك من يرى أن قطاعا كبيرا من المواطنين لم يقم بواجبه فى مواجهة انتشار الفيروس- على الأقل حتى الآن- وهناك ردود حاضرة ومقنعة للرد على هذا الاتهام، أبسطها أن معظم هؤلاء غير الملتزمين تجبرهم ظروفهم المعيشية على ذلك. فهم يجب أن يعملوا كى يستطيعوا أن يعيشوا، ولابد أن ينتقلوا ويستخدموا المواصلات العامة ولا يملكون أن يتجنبوا الاختلاط.

السبب الأكبر للقلق هو استمرار التجمعات والتراخى فى تطبيق التباعد الاجتماعى، والذى يتجسد فى مترو أنفاق القاهرة على سبيل المثال، والذى ينقل يوميًا قرابة ثلاثة ملايين ونصف مواطن، وما زال يعمل يوميًا من السادسة صباحًا إلى السابعة مساءً. وهذا طبيعى فى ظل الأوضاع الحالية وعدم القدرة على اتخاذ قرار أكثر حدة من الإغلاق الجزئى.

ويتجسد هذا الأمر أيضاً فى محال السوبر ماركت المنتشرة، وكذلك الأسواق الشعبية، والميادين والشوارع التجارية الكبرى، فى المدن الكبرى، وأبرزها القاهرة والإسكندرية.

ربما تحاول الحكومة الحفاظ على توازن دقيق بين تحذير السكان مما هو متوقع خلال الفترة المقبلة من انتشار أكبر للإصابات من ناحية، وبين تفادى نشر الهلع الجماعى فى المجتمع من ناحية أخرى.

ولكن هذه المحاولة لابد ألا تطول كثيراً، حيث لابد من إيجاد وسائل مختلفة للنجاح فى الحظر الجزئى والاكتفاء به والحرص على عدم الوصول الى الحظر الكامل.

التعامل الحاسم من الدولة مع المخالفين والفوضويين قد يعالج أمراً آنياً، أو مؤقتاً، مرتبطاً بأزمة صحية طارئة ستأخذ وقتها وستمر كما مر غيرها، هكذا علمنا التاريخ. ولكن التعامل الحقيقى لتغيير ثقافة العقل المصرى يحتاج إلى عمل أكبر، يبدأ من المؤسسات التعليمية، ولا ينتهى طالما فى العمر بقية.

وقت كتابة هذا المقال قرأت خبرًا عن ضبط ثلاثة تجمعات فى أماكن مختلفة اجتمعت لتصلى الجمعة فى تحدٍ لقرار الحظر! هى مسألة ثقافة كما نرى.

ما العمل؟

مقال بقلم عبد اللطيف المناوي

القرارات التى اتخذتها الحكومة المصرية للمواجهة الاقتصادية لتداعيات انتشار فيروس كورونا، من شأنها إعطاء المزيد من الحصانة للوضع الاقتصادى للدولة، وكذلك عدد من الأفراد. يمكن القول إن الدولة حصنت- قدر استطاعتها- الوضع العام فى البورصة، وكذلك حصّنت جزءًا من الأنشطة الاستثمارية. أقدمت على قرارات من شأنها الحفاظ، بقدر الإمكان، على مكتسبات ما تحقق فى مسألة العدالة الاجتماعية.

ولكن، ومع أهمية هذه القرارات فإن من المهم الإشارة إلى تقرير لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا)، توقعت أن ينضم أكثر من ثمانية ملايين عربى إلى عداد الفقراء فى المنطقة جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد.

ونشرت اللجنة دراسة بعنوان «فيروس كورونا: التخفيف من أثر الوباء على الفقر وانعدام الأمن الغذائى فى المنطقة العربية» وقالت فيها إن عدد الفقراء سيرتفع فى المنطقة العربية مع وقوع 8.3 مليون شخص إضافى فى براثن الفقر.

الدراسة اعتبرت أن عواقب هذه الأزمة ستكون شديدة على الفئات المعرّضة للمخاطر، لا سيما النساء والشباب والشابات، والعاملين فى القطاع غير النظامى، ممّن لا يستفيدون من خدمات الحماية الاجتماعية ولا من التأمين ضد البطالة.

وجاءت تقديرات لجنة إسكوا، بعد تحذيرها قبل أسبوعين من أن كوفيد-19 قد يتسبّب بخسارة أكثر من 1.7 مليون وظيفة فى العالم العربى.

كذلك توقعت أن «يتراجع الناتج المحلى الإجمالى للدول العربية بما لا يقلّ عن 42 مليار دولار» هذا العام، على خلفية تراجع أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية الناجمة عن انتشار فى الفيروس فى المنطقة العربية.

الدراسة شددت على أنه لا بد من أن تنفذ الحكومات العربية استجابة طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع فى براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائى نتيجة لتداعيات وباء كورونا.

فى ضوء هذه الدراسة، واستكمالاً لما بدأناه، فإن الحكومة المصرية والقطاع الخاص لابد أن يكونا مستعدين لهذا الخلل المتوقع، والذى قد يعقبه خلل اجتماعى أيضاً، على اعتبار أن أكثر المتضررين من فئة العمالة غير المنتظمة وغير المستقرة، سواء فى القطاع الخاص، أو فى القطاع الذى يسميه البعض «من يعيشون اليوم بيومه».

المواطنون كذلك عليهم مسؤولية كبيرة، حيث يجب أن يكونوا مستعدين لسيناريوهات غير متوقعة، ربما تكون سيئة، نرجو أن تكون أقل سوءاً مما تتوقعه إسكوا. لست متشائماً، ولكن الأزمة الحالية أكبر وأعظم من أعتى وأقوى حكومات العالم، ولذا علينا أن نفكر فى المستقبل، حتى نتفادى التأثير الكبير.

والسر هنا يكمن فى خلق الصيغة الصحيحة، أو لنقل النغمة الصحيحة، بين الدولة التى تدير والقطاع الخاص الذى به القطاع الأكبر من العاملين فى مصر. لن ينجو أحد منفردًا.