عندما يعتدى من يشغل منصب رئيس البلاد على القانون، ويؤيد ضمنا إرهاب القضاء والقضاة، ويتجاوز عن حصارهم وحصار محكمتهم العليا، وعندما يلقى عرض الحائط بكل مبادئ دولة القانون، ويسن من القوانين والإعلانات والتصرفات على الأرض ما يضمن لجماعته السلطة والسطوة، وعندما يتحدى الإرادة الشعبية والقانونية، ويتحدى المنطق والمصلحة العامة ليدعم لجنة غير ممثلة للمصريين، وغير دستورية لتبلى الوطن بدستور ليس له مثيل فى الركاكة والسوء، والتمهيد لخطف الوطن فى اتجاه الدولة الدينية، وعندما يتسبب رأس الدولة فى إفساد الحياة السياسية، وجعل الشعب ينقسم إلى فسطاطين على طريقة أسامة بن لادن، ولكن هذه المرة فسطاط الجماعة وفسطاط الأعداء، الذين هم ليسوا من الأهل والعشيرة، وهنا ينبغى التأكيد على أنه نجح وجماعته بأداء مذهل فى شق صف الوطن، وتمهيد الأرض لحالة تشرذم لا يعلم إلا الله نتائجها، ولم يقف حد التفتيت عند هذا المستوى، بل بدأت ملامح تفتيت وحدة المجتمع المصرى، الذى عاش متجانسا لآلاف السنين لنسمع ليس فقط مسلمين وأقباطاً، بل بدأ الحديث عن أهل النوبة وبدو سيناء وبدو الصحراء الغربية، المشكلة أن الحديث اليوم حول هذه الهويات الموجودة بالفعل داخل النسيج الوطنى بدأ يأخذ منحى ذا نكهة انفصالية أكثر منه اقتراباً ولحمة. وهذا بالتأكيد أحد «إنجازات» المرحلة.
أيضاً عندما يتسبب نظام ورئيسه فى إفقار وطن بكامله فى حين تزداد ثروات أثرياء الجماعة، قد نلاحظ أن النموذج المصرى الحالى هو نموذج تزداد فيه الدولة فقرا، بينما تزداد الجماعة الحاكمة ورموزها ثراء، فى المقابل يعيش المصريون مرحلة من أسوأ المراحل اقتصاديا، حجم المعاناة اليومية بدأ يطال الجميع، ومستوى الخدمات، الذى كان مقبولا بدأ رحلة انهيار كبير، وليس قطع الكهرباء والغاز والمياه، وانهيار مرفق النقل، واختفاء الخبز وأسطوانات البوتاجاز، واختفاء البنزين والسولار، وانهيار الخدمة الصحية والتعليمية وهدم المؤسسة الإعلامية والثقافية ليس كل هذا إلا مقدمات لما لا يعلم إلا الله حدوده.
باختصار أتت الجماعة وهى تقول «نحمل الخير لمصر»، ولم نر من يومها خيرا، لقد ظهر وبشكل واضح سقوط مروع للدولة، فالاقتصاد المصرى بات بين غياب الرؤيه والارتباك الرسمى حول سبل معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة. لقد انهار الأمن فى البلاد، وانتشر الفساد الذى يصغر جانبه أى فساد كنا نتحدث عنه، ووجد الإرهابيون ضالتهم فى أرض المحروسة بفضل توفير السماء الآمنة لهم. لقد سمع الناس الكثير، وقد أثبتت الأحداث أنها جعجعة دون طحن، وإن كان هناك طحن فهو لعظام المتظاهرين ضد مخططات التمكين عنه التى يقدمون من أجلها الغالى والنفيس.
ما فات هو محاولة للإجابة عن سؤال أخرته إلى هذا الجزء من المقال بعد محاولة الإجابة عنه قبل أن أضع التساؤل، لماذا يخاف «أول رئيس منتخب» كما يسمونه من الشعب الذى يفترض نظرياً أنه شعبه؟ لماذا يرتعد من التعامل المباشر معه؟ لماذا أصبح الإحساس العام متجاوزاً المعارضة إلى الرغبة فى الخلاص حتى لو بدا الأمر انتحاراً جماعياً، لماذا يتمترس من ادعى أنه رئيس كل المصريين حول هذه المتاريس العملاقة، التى لم تشهدها مصر فى تعامل أى رئيس أو ملك أو فرعون لها: لماذا يخاف هكذا أى رئيس من شعبه؟ لماذا يخاف مرسى من 30 يونيو؟.
استعراض الإجراءات الأمنية المتخذة يثير الدهشة، فرئاسة الجمهورية كلفت إحدى شركات المقاولات بإنشاء بوابتين كبيرتين فى الشارع الموجود بين «بوابة ٥» وقصر السلام، ووضع بوابات إلكترونية تمر منها السيارات، والمارة المتوجهون إلى القصر، وإغلاق الشارع نهائياً ليكون تابعاً للرئاسة فقط، لمواجهة أى محاولات اقتحام، وسيتم إنشاء بوابات حديد إلكترونية تخرج من تحت الأرض، فى حالة الطوارئ، لترتفع مترين فوق سطحها، كما تم ربط كل البوابات بأجهزة الصواعق الكهربائية عبر دوائر كهربائية بـ«فولتات عالية»، قادرة على صعق من يضع قدمه بالقرب منها فى دائرة متر مربع. كل هذا قبل نهاية الشهر!!
من ناحية أخرى قال مصدر أمنى مسؤول إن قوات الحرس الجمهورى ستغلق ١٤ شارعاً حول القصر بالجدران الخرسانية والأسلاك الشائكة قبل أسبوع من موعد المظاهرة. كما سيتم وضع الدبابات والمدرعات وراء البوابات الخمس، وسيكتفى بالتأمين من الداخل.
أما تقرير مؤشر الديمقراطية الصادر عن المركز التنموى الدولى كأول تقرير يرصد أداء مؤسسة الرئاسة فقد اكد أداء المؤسسة خلال شهر مايو الماضى انعكاساً لضعفها وهشاشة قدرتها على قيادة الدولة، والتعامل مع متطلبات شعبها، ومع الأزمات التى تواجهها، وحماية سيادتها ومواردها وأرواح مواطنيها، وكشف التقرير ارتفاع ميزانية الرئاسة فى عهد الرئيس محمد مرسى إلى 330 مليون جنيه و239 ألف جنيه، مقابل 252٫6 مليون جنيه فى موازنة 2009/ 2010 آخر موازنة فى عهد الرئيس السابق مبارك، بزيادة قدرها 78 مليون جنيه، والسؤال هو: هل هذا فى إطار التأمين أيضاً؟