«أول رئيس منتخب» مرعوب من «شعبه»

103479_660_29361491عبد اللطيف المناوي

عندما يعتدى من يشغل منصب رئيس البلاد على القانون، ويؤيد ضمنا إرهاب القضاء والقضاة، ويتجاوز عن حصارهم وحصار محكمتهم العليا، وعندما يلقى عرض الحائط بكل مبادئ دولة القانون، ويسن من القوانين والإعلانات والتصرفات على الأرض ما يضمن لجماعته السلطة والسطوة، وعندما يتحدى الإرادة الشعبية والقانونية، ويتحدى المنطق والمصلحة العامة ليدعم لجنة غير ممثلة للمصريين، وغير دستورية لتبلى الوطن بدستور ليس له مثيل فى الركاكة والسوء، والتمهيد لخطف الوطن فى اتجاه الدولة الدينية، وعندما يتسبب رأس الدولة فى إفساد الحياة السياسية، وجعل الشعب ينقسم إلى فسطاطين على طريقة أسامة بن لادن، ولكن هذه المرة فسطاط الجماعة وفسطاط الأعداء، الذين هم ليسوا من الأهل والعشيرة، وهنا ينبغى التأكيد على أنه نجح وجماعته بأداء مذهل فى شق صف الوطن، وتمهيد الأرض لحالة تشرذم لا يعلم إلا الله نتائجها، ولم يقف حد التفتيت عند هذا المستوى، بل بدأت ملامح تفتيت وحدة المجتمع المصرى، الذى عاش متجانسا لآلاف السنين لنسمع ليس فقط مسلمين وأقباطاً، بل بدأ الحديث عن أهل النوبة وبدو سيناء وبدو الصحراء الغربية، المشكلة أن الحديث اليوم حول هذه الهويات الموجودة بالفعل داخل النسيج الوطنى بدأ يأخذ منحى ذا نكهة انفصالية أكثر منه اقتراباً ولحمة. وهذا بالتأكيد أحد «إنجازات» المرحلة.

 أيضاً عندما يتسبب نظام ورئيسه فى إفقار وطن بكامله فى حين تزداد ثروات أثرياء الجماعة، قد نلاحظ أن النموذج المصرى الحالى هو نموذج تزداد فيه الدولة فقرا، بينما تزداد الجماعة الحاكمة ورموزها ثراء، فى المقابل يعيش المصريون مرحلة من أسوأ المراحل اقتصاديا، حجم المعاناة اليومية بدأ يطال الجميع، ومستوى الخدمات، الذى كان مقبولا بدأ رحلة انهيار كبير، وليس قطع الكهرباء والغاز والمياه، وانهيار مرفق النقل، واختفاء الخبز وأسطوانات البوتاجاز، واختفاء البنزين والسولار، وانهيار الخدمة الصحية والتعليمية وهدم المؤسسة الإعلامية والثقافية ليس كل هذا إلا مقدمات لما لا يعلم إلا الله حدوده.

باختصار أتت الجماعة وهى تقول «نحمل الخير لمصر»، ولم نر من يومها خيرا، لقد ظهر وبشكل واضح سقوط مروع للدولة، فالاقتصاد المصرى بات بين غياب الرؤيه والارتباك الرسمى حول سبل معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة. لقد انهار الأمن فى البلاد، وانتشر الفساد الذى يصغر جانبه أى فساد كنا نتحدث عنه، ووجد الإرهابيون ضالتهم فى أرض المحروسة بفضل توفير السماء الآمنة لهم.  لقد سمع الناس الكثير، وقد أثبتت الأحداث أنها جعجعة دون طحن، وإن كان هناك طحن فهو لعظام المتظاهرين ضد مخططات التمكين عنه التى يقدمون من أجلها الغالى والنفيس.

ما فات هو محاولة للإجابة عن سؤال أخرته إلى هذا الجزء من المقال بعد محاولة الإجابة عنه قبل أن أضع التساؤل، لماذا يخاف «أول رئيس منتخب» كما يسمونه من الشعب الذى يفترض نظرياً أنه شعبه؟ لماذا يرتعد من التعامل المباشر معه؟ لماذا أصبح الإحساس العام متجاوزاً المعارضة إلى الرغبة فى الخلاص حتى لو بدا الأمر انتحاراً جماعياً، لماذا يتمترس من ادعى أنه رئيس كل المصريين حول هذه المتاريس العملاقة، التى لم تشهدها مصر فى تعامل أى رئيس أو ملك أو فرعون لها: لماذا يخاف هكذا أى رئيس من شعبه؟ لماذا يخاف مرسى من 30 يونيو؟.

استعراض الإجراءات الأمنية المتخذة يثير الدهشة، فرئاسة الجمهورية كلفت إحدى شركات المقاولات بإنشاء بوابتين كبيرتين فى الشارع الموجود بين «بوابة ٥» وقصر السلام، ووضع بوابات إلكترونية تمر منها السيارات، والمارة المتوجهون إلى القصر، وإغلاق الشارع نهائياً ليكون تابعاً للرئاسة فقط، لمواجهة أى محاولات اقتحام، وسيتم إنشاء بوابات حديد إلكترونية تخرج من تحت الأرض، فى حالة الطوارئ، لترتفع مترين فوق سطحها، كما تم ربط كل البوابات بأجهزة الصواعق الكهربائية عبر دوائر كهربائية بـ«فولتات عالية»، قادرة على صعق من يضع قدمه بالقرب منها فى دائرة متر مربع. كل هذا قبل نهاية الشهر!!

من ناحية أخرى قال مصدر أمنى مسؤول إن قوات الحرس الجمهورى ستغلق ١٤ شارعاً حول القصر بالجدران الخرسانية والأسلاك الشائكة قبل أسبوع من موعد المظاهرة. كما سيتم وضع الدبابات والمدرعات وراء البوابات الخمس، وسيكتفى بالتأمين من الداخل.

أما تقرير مؤشر الديمقراطية الصادر عن المركز التنموى الدولى كأول تقرير يرصد أداء مؤسسة الرئاسة فقد اكد أداء المؤسسة خلال شهر مايو الماضى انعكاساً لضعفها وهشاشة قدرتها على قيادة الدولة، والتعامل مع متطلبات شعبها، ومع الأزمات التى تواجهها، وحماية سيادتها ومواردها وأرواح مواطنيها، وكشف التقرير ارتفاع ميزانية الرئاسة فى عهد الرئيس محمد مرسى إلى 330 مليون جنيه و239 ألف جنيه، مقابل 252٫6 مليون جنيه فى موازنة 2009/ 2010 آخر موازنة فى عهد الرئيس السابق مبارك، بزيادة قدرها 78 مليون جنيه، والسؤال هو: هل هذا فى إطار التأمين أيضاً؟

ليست أزمة كهرباء لكنها أزمة نظام

el manawy 21عبد اللطيف المناوي
بينما أراجع بعض أوراقي الأسبوع الماضي وقعت عيناي على مقال لي كنت قد كتبته منذ حوالي ثلاث سنوات، لكني أردت ان أكون دقيقا لأعرف بالضبط متى كتبته فبحثت عبر الإنترنت عن الحادث الذي اعتبرته وقتها كبير وخطير ويثير الغضب، وهكذا وصلت إلى أصل الموضوع. ففي يوم الجمعة الموافق 30 يوليو عام 2010 نشرت الصحف هذا الخبر: “تعرض محول كهرباء قياسى لمحطة نجع حمادى ذو لجهد الفائق إلى عطل مفاجىء مما أدى إنقطاع التيار الكهربائى فى كل من أسوان وقنا والأقصر وسوهاج لمدة ساعة. وقال الدكتور محمد عوض رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر إن هذا العطل أدى إلى فصل المحطة وجزء من الشبكة القومية بين نجع حمادى والسد العالى مما أدى إلى إنقطاع التيار الكهربائى فى المحافظات الأربع . وأضاف أنه تم على الفور قيام العاملين والمتخصصين بفصل المحول والقيام بإصلاحه وإرجاع التغذية الكهربائية على حالتها كما كانت عليه وتم إطلاق التيار مرة أخرى إلى المحافظات الأربع ولم يؤد العطل إلى أى اضرار أخرى.”
قبلها بساعات كنت اسمع لشكوى ابنتي من الكهرباء التي تنقطع لساعات وهي لا تعلم ماذا تفعل سواء في مذاكرتها استعدادا للامتحانات أو في الحر الذي لا يطاق، كنت أهون عليها بان وضعنا افضل من أولئك الذين  ماتوا في غرف العمليات لانقطاع الكهرباء عن المستشفى، ونتذكر ما نشر عن العملية التي أجريت على ضوء الشموع، أو مواقف الخوف الهستيرية المضحكة أحيانا لمن يصادفه حظه العسر فتنقطع الكهرباء وهو في المصعد. نضحك على تخيل الموقف ولكنه ضحك كالبكاء.
من المسئول عن انقطاع الكهرباء في الصعيد؟
من غير المقبول أن تنقطع الكهرباء بشكل تام وكامل عن أربع محافظات في الصعيد ، في الوقت الذي نتحدث فيه عن الإنجازات في مصر في مجال الطاقة ، وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن محطات طاقة جديدة وفي الوقت الذي نتحدث فيه عن الاهتمام بالبنية الأساسية في الصعيد .
هذا الانتقاد لا يقلل من حجم الجهد و العمل في مجال زيادة الطاقة ، ولكن مع هذا التقدير فإنني باسم كل من فاجأهم مثل هذا الخبر وأحزنهم فإنني أطالب بتحقيق فوري يحدد المسئولية الحقيقية و المسئول الحقيقي عن هذه الكارثة التي وقعت .
مصر وصلت الآن إلى مستوى من إنتاج الطاقة وفقا للتقديرات خلال الفترة الماضية يبلغ‏ 175‏ مليار كيلو وات‏/‏ ساعة‏ ووصلت في توليدالكهرباء وإنشاء محطات الكهرباء الجديدة إلى حوالي  خمسة أضعاف كهرباء السد العالي ، ولكن عندما يأتي يوم يتحدث فيه أحد المسئولين عن تعرض محول كهرباء قياسي لمحطة نجع حمادى ذو الجهد الفائق إلى عطل مفاجئ مما أدى انقطاع التيار الكهربائي فى كل من أسوان وقنا والأقصر وسوهاج لمدة ساعة كاملة ، وإن هذا العطل أدى إلى فصل المحطة وجزء من الشبكة القومية بين نجع حمادى والسد العالي مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في المحافظات الأربع ، فإن  مثل هذه المسألة لا يمكن أن تكون في دولة مثل مصر ، ومثل هذا الحادث يعصف بكل ما يحدث من إنجاز في هذا المجال
أيضا فيما يتعلق بالمجال الكهربائي حكى لي اليوم أحد الأصدقاء أنه عندما ذهب إلى منزله مساء اكتشف أن كل أعمدة الإضاءة مطفأة ( وذلك بناء على القرار بتخفيض نصف الإضاءة في الشوارع والذي يتم تطبيقه بشكل غير حقيقي ) ، وعندما خرج في الصباح من منزله متوجها إلى عمله اكتشف أن كل أعمدة الإضاءة منارة”.
انتهى المقال الذي هزني عندما قرأته واكتشفت ماذا فعل بنا هواة الحكم ومحترفي الاستحواذ والتمكين. أولئك الذين يرفضون الا ان يروا مصلحة التنظيم فوق مصلحة الوطن. ولا يقف الأمر بهم عند هذا الحد بل يخرج علينا منهم من ينصحنا بانه اتفق مع أفراد عائلته على عدم استخدام التكييف ويعطينا نفسه وسلوكه كقدوة حسنة. ويأتي هذا في إطار مسلسل الاستفزاز الذي بدأ بالملابس القطنية وجمع شمل العائلة في حجرة واحدة.
منذ عدة عقود عانت القاهرة من انقطاع الكهرباء وقتها ظهرت حكاية «فأر السبتية»، الذي حملته وزارة الكهرباء في مصر مسؤولية انقطاعالتيار الكهربائي عن منطقة السبتية بالقاهرة، الطريف أن الوزارة وقتها وضعت المشكلة برمتها على كاهل الفأر المزعوم، وقالت إن الفأر قام بقطع الأسلاك بأسنانه المدببة، وهو بالتالي المتهم عن إغراق المنطقة في الظلام الدامس! ورغم أن صحف المعارضة والناس سخروا من الحكومة التي عجزت عن إعادة التيار الكهربائي فاختبأت وراء فأر لتداري عجزها، ظل «فأر السبتية» المسكين لسنوات عديدة الفاعل المجهول، فكلما حدثت مشكلة، لا يُعرف المتسبب فيها، أظن ان هذه المرة المسألة أكبر من الفأر المزعوم، المسألة هي أولئك الذين اختطفوا مسؤولية حكم دولة وهم لا يملكون ما يؤهلهم.
المقال الذي أعدت نشر جزء منه كان في مطلع شهر أغسطس منذ ثلاث سنوات، استحضره اليوم لاذكر كيف تسلم النظام الحالي الخدمات قبل ان ينطلق أحدهم ليتحدث عن ميراث النظام السابق. على هؤلاء ان يدركوا ان لديهم مشكلة حقيقية، بل مشاكل ليس اولها الإنكار وسوء الإدارة، ليس هذا فحسب بل بات مؤكدا أنهم هم المشكلة
بواسطة عبد اللطيف المناوي نشرت في 7 أيام

أهدافهم وأهدافنا.. أسلوبهم وأسلوبنا

عبد اللطيف المناويعبد اللطيف المناوي

الهدف لديهم واضح ولن يوقفهم منطق أو إدراك عقلانى لمخاطر ما يجروننا إليه، أو الإظلام الذى يدفعون الوطن إليه، هناك أهداف واضحة يريدون تحقيقها تنفيذا لمخططهم، لا أقول إن لديهم تخطيطا به قدر من الذكاء لكنه سلوك غريزى يتبعونه لتنفيذ هذه الأهداف، الأهداف تتلخص ببساطة فى السيطرة الكاملة على المجتمع أيا كان الثمن، هم يراهنون على قدرة المصريين على التكيف عندما يفرض عليهم واقع لا يستطيعون تغييره، خاصة إذا تم فرضه تدريجيا، ويراهنون على غياب المعارضة المنظمة وضعف قياداتها وتضارب مصالحهم واستعداد بعضهم «للفصال». أيضا النفس القصير لمن يعترضون عليهم، وهم هنا يستحضرون ما حدث من قبل فى مناسبات مختلفة، بدأت المعارضة والاحتجاج بصوت وأداء عال أعطى الانطباع وقتها بأن التغيير حان، ولكنه سرعان ما تنتهى المسألة إلى خفوت وحضور يبهت يوما بعد يوم يتبقى منه بقايا خيام، وأحداث الاتحادية حاضرة والتواجد فى التحرير حاليا دليل على ذلك. أيضاً يراهنون على الزمن الذى هو كفيل بحل العديد من المواقف، يعلمون أن الزمن فى صالحهم لأنه يعطيهم الفرصة للتمكن بشكل أكبر، ويعلمون أن الزمن سوف يعطيهم الفرصة للمناورة وشق صف المعارضين. وللأسف ينجرف عديدون نحو هذا الفخ، ولعل ما حدث فى قضية النائب العام أحد النماذج المثالية لهذا الأسلوب. جميعنا يتذكر كيف وقف المجتمع المصرى، قضاء وسياسة وإعلاما، وقفة رجل واحد ضد تعيين النائب العام الحالى، وأجبر الرجل على الاستقالة، تلك الاستقالة الوهمية التى لم يتطلب التراجع عنها إلا صوما لثلاثة أيام، إن اعتبرها نقضا لعهد، وهذا اتباعا لطريقة رئيسه فى التعامل مع كل ما لم يلتزم به، بدءا من قسمه أمام المحكمة الدستورية التى نسب له وقتها أنه قال إنه سوف يصوم ثلاثة أيام حسب فهمه للشريعة لنقضه قسمه أمامها، لذلك أظنه سوف يكون صائما الدهر إن التزم بثلاثة أيام لكل حالة من حالات عدم الالتزام (أستخدم هذا التعبير لأسباب قانونية) التى أصبحت أهم سماته هو وجماعته. أعود إلى موضوع النائب العام الذى يعد نموذجا مزدوجا لأداء المعارضة المصرية والجماعة الحاكمة. عندما أتحدث هنا عن المعارضة لا أقصد فقط تلك الكيانات السياسية التى تملأ الساحة، تتكتل وتتحالف ولكنها لا تعبر عن الشارع، ولكنى أقصد بالمعارضة كل الشارع غير المنظم الذى يعارض ما يحدث من انتهاكات لوطنه وحريته دون أن يعرف كيف ينظم هذه المعارضة، ويفتقد القيادة القادرة على توحيد هذا التيار المعارض، ويفتقد الأدبيات التى يمكن أن تمثل دستورا وهدفا لها تحاول أن تتحلق حوله وتندفع لتحقيقه. أيضاً تعانى هذه الجموع نتيجة الافتقار إلى التنظيم والقيادة إلى النفس الطويل، القوة كبيرة وحجم المعارضة لا يستهان به، ولكن غياب التنظيم ووحدة القيادة يؤدى إلى فقدان الجزء الأكبر من هذه القوة، لكونها تهدر فى غير موضعها وغير وقتها، إذن هى جهد وطاقة تستنزف دون تخطيط فتضيع هباء ويتمكن الطرف الآخر من الانتصار عليها باستغلال عنصر الزمن الذى يساهم كما قلت فى الإصابة بالإجهاد وقطع الأنفاس، وبالتالى سهولة شق الصف واستغلال نقاط الضعف البشرية. عندما أعلن عن تعيين النائب العام قامت الدنيا وبدا أنها لن تقعد، لكنها للأسف «قعدت» فاستمر فى منصبه رغم كل المعارضة، ما حدث هنا ببساطة أن جهد المعارضة لهذا الموقف انطلق بقوة فى البداية ولكن دون وجود تخطيط واضح للخطوات التالية، فأغلقت المحاكم والنيابات دون أن نجيب عن السؤال «وماذا بعد؟ ماهى الخطوة التالية؟»، وهكذا ألقت الجماعة الحاكمة بعد فترة وفى لحظة إجهاد حل «الوقت»، بإعطاء الأزمة وقتا للتشاور والبحث عن بدائل للحل، فكان أن خلق أمر واقع جديد تمكنت فيه الجماعة من تحصين نائبها العام فى موقعه، وشقت صف المعارضة، وأصيبت بالإجهاد، وتراجعت مساحة المناورة والمطالب.

أعلم أن كثيرين يضعون أملا كبيرا على يوم 30 من هذا الشهر، ولذلك أطرح ما طرحت من أفكار، لا ينبغى أن ننسى ونحن نتجه نحو الحلم أن نتعامل بواقعية، هناك مشكلات ينبغى التوقف لدراستها وطرح سبل التعامل معها، يجب دراسة المواقف السابقة التى ارتفعت فيها أسقف التطلعات ثم سقطت بشدة على أرض الواقع، وسوف يكون من الخطأ سلوك أحد اتجاهين فى تفسير ذلك، إما إلقاء اللوم على الطرف الآخر أو تبادل الاتهامات. الوقت ليس وقت تصفية حسابات ولا فرض وصاية أو إثبات زعامة، الوقت هو وقت مواجهة حضارية قوية راسخة مؤمنة بحقها فى هذا الوطن، الوقت هو وقت التأكيد على مدنية ووسطية هذا البلد وأنه وطن الجميع. هذا لن يكون إلا بتدارك ما وقع فيه الجميع من أخطاء الفترة الماضية، وأن يقتنع الجميع بأن الوقت ليس فى صالحنا. وأن الحلول الجزئية والوقتية هى تأجيل لتنفيذ مشروعهم بطرق أخرى، ومفهوم الحلول الوسط لا يجوز أن يكون على حساب الثوابت. الأمر الآخر الذى ينبغى التأكيد عليه هو أن الخطوة القادمة ليست الأخيرة ولكنها الأهم فى سلسلة متصلة مخططة من الخطوات التى تحقق الهدف.

ارحمونا فقد يرحمكم الله

قوى معارضة: رئاسة مصر فشلت بادارة ازمة سد النهضةعبد اللطيف المناوي

لقد تجاوزت الأمور كل الحدود المقبولة، النظام الحاكم فعل بمصر ما لم يفعله أسوأ الغزاة وأكثرهم تدميراً وغلظة واستهانة، لكن الأمور قد فاقت كل المتوقع عندما نكتشف أن إدارة البلاد فى أيدى مجموعة من الهواة الذين يلهون بمصادر البلد وكأنها لعبة أهداها لهم السيد الوالد.

ما رأيناه جميعاً عبر شاشات التليفزيون لاجتماع الأمن القومى «الخطير» والمفترض فيه السرية لا يمكن أن يفعل إلا إشعال حالة من الغضب الشديد تجاه أولئك الذين يمارسون العبث بالأمن القومى للبلاد بمزيج من البله وعدم الإدراك والمراهقة السياسية الحادة. هذا ما يبدو ببساطة لأى متابع للشأن العام دون أن يتعمق فيه، فما بالك بمن يمتلك بعض المعلومات وبعض الفهم لأبعاد المشكلات.

كان المتخيل أن يبدأ النظام الذى يختبر الله به مصر وأهلها بدراسة مشكلة مياه النيل القديمة المتجددة وأن يطلب من أهل الخبرة الاجتماع على الفور لدراسة كل الأبعاد الخاصة بهذه الأزمة الحقيقية، ثم كان من المفترض أن نرى، أو لا نرى المهم أن يعقد اجتماعاً للأمن القومى بحق للأجهزة السيادية والأمنية المختلفة وقادة الجيش المصرى لبحث تداعيات وأساليب التعامل مع هذه الأزمة. كان المتوقع أن تطلب إدارة البلاد، التى تدفعها للخراب، ملفات الأزمة وأساليب التعامل المفترضة معها، وأن تستدعى من يملك الخبرة فى هذا الملف للانضمام لفريق العمل حتى لو كان هذا المستدعى من المغضوب عليهم وممن تم إقصاؤهم خلال الفترة الماضية وهم كثر. كان من المفترض البحث فى الأسباب التى أدت إلى هوان مصر فى المنطقة الأفريقية وتدمير علاقاتها أو ما تبقى منها على يد سادة المقطم، وأن تطرح القيادة السؤال: لماذا لم يفعل الإثيوبيون فى الماضى ما فعلوه اليوم؟ ولماذا بدأت دول حوض النيل الأخرى، بما فيها السودان، تتخلى عن مصر وتنقبض اتفاقياتنا معها وهى التى ظلت تحترمها حتى عامين مضيا؟ كل هذه الخطوات والأسئلة كان من الممكن أن تكون محل معالجة وطرح، ولكن ماذا حدث؟

ما حدث ببساطة هو امتداد للسلوك غير المفاجئ للنظام الذى يريد أن يستفيد من كل الكوارث التى تحل بالبلد، هذا هو الهدف الأول مهما كانت الأزمة، ولعلنا لم ننس عندما استغلت الجماعة مقتل جنودنا فى رمضان الماضى والأجواء التى سادت فمرروا تغييرات 52 من القيادات الصحفية رغم معارضة الجميع، وأظنهم استغلوا أحداث الاتحادية لتغيير رئيس مترو الأنفاق، هكذا هو الأسلوب الذى يسيطر على إدارتهم للبلاد، كيف يستغلون الفرصة لتمرير مخططهم وتحسين تمركزهم للسيطرة الكاملة. وهكذا كانت المفاجأة -المتوقعة- بالإعلان عن اجتماع بين مرسى والمعارضة، وانبرى حاملو مباخر النظام إلى الدعوة للاصطفاف الوطنى خلف القيادة السياسية لمواجهة الأزمة.

المهم أن الاجتماع الخطير بدأ دون مشاركة لمتخصص واحد ودون حضور لخبير فى الأمر وغياب لأى عناصر تفهم فى مفهوم الأمن القومى أو العلاقات الدولية، وبدأت جلسة «الأخوة» بين الحاضرين الذين بدأوا يدلون بدلوهم وعلى رأسهم رئيسهم لنتفاجأ جميعاً بالمستوى الساذج من التفكير والطرح، ونكتشف حجم الغياب الذى تعانى منه قيادة البلاد، غياباً يبدو واضحا للعيان، وينبئ بكارثة. ولكى تكتمل الكوميديا السوداء يكتشف الحضور أن اجتماعهم الأمنى السرى الخطير يذاع على الهواء مباشرة. واستمتع العالم بمتابعة أكثر الفقرات الكوميدية لمخططات الغزو والتخابر والشائعات وإشعال الحرب الأهلية، وهناك من بادر بإخراج خطة سرية من جيبه لعرضها على العصابة، أقصد الاجتماع، لتربية من يجرؤ لتحديهم. واستمعنا إلى عدة حلول لأزمة سد النهضة من بينها أن تسرب مصر معلومات من بينها شراء طائرات والاستعانة بتلك المعلومات كوسيلة ضغط تؤدى لنتائج «مميزة» إذا تمت الاستعانة بها فى الملف الدبلوماسى عند إدارة الأزمة. واكتشفنا أننا «محتاجون لفريق عمل سياسى مخابراتى فى إثيوبيا مش سفارة»، حيث إن المجتمع الإثيوبى «مهترئ لأقصى درجة»، ويجب استغلال هذا الضعف للتأثير على قرارات إثيوبيا فيما يتعلق بقضية «سد النهضة». بعض الحاضرين عبروا عن اندهاشهم «إننا أقسمنا قبل بداية اللقاء بعدم تسريب أى معلومات للصحافة» وهم لا يعلمون أننا نعيش عصر «اللا اندهاش».

لقد تحول الحوار «الخطير» إلى جلسة حواديت يمكن أن نتوقعها على قهوة المعاشات، ولم نستمع فى الحوار السرى لفكرة واحدة تستحق السرية، ولكنها تستحق الشفقة رغم السعادة البادية على رئيس الحوار. أظن أن المشكلة الرئيسية ليست معالجة كارثة سد النهضة وإنما معالجة كارثة من يتعاملون مع سد النهضة ومن يديرون البلاد بهزال فكرى مخز.

لم أتذكر اسمه!!

el manawyعبد اللطيف المناوي
 عام 1905 عاش الذعيم النازي هتلر حياة بوهيمية في فيينا على منحة حكومية لإعانة الأيتام ودعم مالي كانت والدته تقدمه له. اعتقد وقتها انه رسام موهوب فتقدم لدراسة فن الرسم مرتين في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا وذلك في عامي 1907 و1908 إلا ان طلبه رفض في المرتين لأنه “غير مناسب لمجال الرسم” وأخبروه أن من الأفضل له توجيه قدراته إلى مجال الهندسة المعمارية. ولم يستطع ان يدرسها لانه على حد قوله في مذكراته ” لم أكن قد حصلت على شهادة المدرسة الثانوية، فبدا لي أن تحقيق حلمي في دنيا الفن مستحيلاً بالفعل”. ودفع العالم الثمن ملايين الأرواح في حرب عالمية يعتقد البعض انه لو كانوا قبلوا به فنانا لجنبوا العالم الدمار.
لا ادري لماذا قفزت قصة هتلر الفنان الفاشل إلى ذهني وأنا أتابع حديثاً لمن احتل منصب وزير ثقافة مصر مؤخراً، أكثر حالات التدمير تنتج من الأشخاص الذين يتعرضون في حياتهم إلى تجارب تجهز أحلامهم ويشعرون أنهم منبوذين من الأوساط التي تمنوا ان ينتموا لها. قد تقف المشكلة عند حدود الشخص ذاته إلى ان يتمكن من الانتقام ممن اعتقد أنهم اجهضوا أحلامه التي اعتقد هو وحده فيها وفي قدراته وممن حاول ان ينتمي اليهم لكن لم تسمح له قدراته أو شخصيته وإمكانياته ان ينضم إلى هؤلاء.
تتبعنا جميعا الضجة الكبيرة التي أثيرت عقب الإعلان عن اسم الشخص الذي تولى منصب وزير الثقافة في التعديل الأخير للحكومة، ورغم ان هذا التعديل لا ينطبق عليه إلا القول “حسبي الله فيمن يديرون هذا البلد” كما سبق ان ذكرت في موضع سابق إلا ان موضوع وزير الثقافة كان له ما يغري على متابعته، ليس فقط بسبب جهل معظم المصريين وكل المثقفين به، فهو في هذا مثله مثل معظم زملائه، وليس لاتهامه بانه أتى لاستكمال مشروع التمكين في مجال الثقافة، فكلهم مكلفون ويعملون لتحقيق ذلك، ولا يعني ذلك أنهم أعضاء في الجماعة فليس هذا ضروريا، فالمهم ان ينفذوا أهدافها طمعا في شيء ما.  ولكن ما أغراني بمتابعة موضوع وزير الصقافة بسبب تلك الحالة التي تلبيته مبكرا بالرغبة في الانتقام والتنكيل واستخدام السلطة التي هبطت عليه أو هبط عليها من اجل الانتقام من شيء ما كان يبدو غير واضح في الأيام الأولى.
زرت صفحة وزارة الثقافة على الإنترنت لمعرفة أسماء وزراء الثقافة المصريين على مر التاريخ لأقارن وأعذب نفسي بما وصل الحال ببلدنا، ولكني وجدت على الصفحة الرئيسية حوار الوزير الجديد مع عمرو الليثي، ولفت نظري ان الشعار الموجود على الفيديو هو شعار الحزب الحاكم الحالي أداة الجماعة في الحكم. اغوتني نفسي لاستمع إلى ما يقوله الوزير الجديد الذي يرفضه كل المثقفين ويبدو انه هو أيضاً يرفضهم، وعملا بقول سقراط الشهير “تكلم حتى أراك” وبدأت استمع لما تكلم به الرجل واستطعت ان أراه لم يغب عني طوال السبعين دقيقة مدة الحوار تخيل ما الذي كان يمكن بهتلر ان يفعه لو تولى أكاديمية الفنون لو تولى مسؤوليتها، الأكيد انه كان سيفعل كما يفعل الوزير الحالي مع المثقفين، لكن الأكيد أننا كنا سن تجنب حربا عالمية!!
الرجل حصل على درجة الدكتوراه بعد ثلاثة وعشرين عاما من تخرجه، وسبق فصله من أكاديمية الفنون، لتغيبه عن العمل عام 1994، إلا أنه عاد إلى العمل بموجب حكم قضائي. ولن أشير إلى مسألة قضية التحرش لانها أمام القضاء بعد ان تقدم هو -كما يقول- بإبلاغ إلى النائب العام. ما سأتوقف أمامه بعض النقاط التي استوقفتني فيمن يتولى مسؤولية الثقافة في مصر. اول صدم أتي هي تلك الثقة المفرطة التي رد بها على اول الأسئلة عما إذا كان يرى نفسه مؤهلا ليشغل نفس الموقع الذي شغله طه حسين وثروت عكاشة وغيرهم فرد كطلقة الرصاص “بالتأكيد”  وبدأت أتابع لأرى أمامي رجلا تملكه الإحساس بانه كان منبوذا من مجتمعات المثقفين وأوساطهم وحان الوقت ليعود لينتقم من كل هؤلاء الذين لم يتمكن من ان يكون واحد منهم، هو يصف نفسه بانه “مثقف مستقل” لا يتحرك في أوساط المثقفين، ويعتقد ان من لم يسمع عنه فهذه ليست مشكلته، فقد ألف الرجل كتابين عن السينما طبعا في إحدى سلاسل الكتب المطبوعة في سوريا ولم يكتب عنها كاتب أو صحفي مصري واحد رغم انه أرسلهما لهم ولكن كتب عنهما بعض الصحف العربية. يلعب الرجل على وتر الموظفين “الغلابة” الذين يطلبون جنيهات قليلة بينما يقبض المثقفون، أتى ليحقق العدالة لفقراء وزارة الثقافة، ويتاجر بكلمات الفقراء والثورة والشهداء والغلابة، ولم اسمع كلاما ذو أي عمق. تحدث بمفردات جديدة على لغة الثقافة، قال أنهم يقرأون على “الفيس”  “الثورة زات نفسها” وان المقصود بالثورة هو “الثورة على الزات”
 حتى كتابة هذه السطور مازالت معركة انتقام دائرة ومشروع تدمير للمؤسسات الثقافية المصرية على قدم وساق، واعلن المثقفون رفضهم لهذا التخريب ولست ادري إلى أي مدى سوف يستمرون أو ينجحون، لكن المهم هو الحفاظ على عصب مصر وقيمتها الحقيقية. الثقافة هي الرصيد المصري الحقيقي ولا ينبغي السماح لمنتقم أو لجماعة ان تدمر أصول هذا الوطن. الأمر الاكيد أنني فشلت في ان أتذكر اسم الوزير بعد كل هذا.

بواسطة عبد اللطيف المناوي نشرت في 7 أيام

هل مازال هناك أمل؟

92209b6a74087aa9620062405172e19f_w400_h0عبد اللطيف المناوي

من الأغانى الجميلة لفيروز واحدة تقول «غاب نهار آخر، غربتنا زادت نهار، واقتربت عودتنا نهار»، أتذكر هذه الكلمات تقريبا يوميا، لكنى لاحظت أننى بدأت أشعر بأن تغيير بعض كلماتها يمكن أن ينطبق أكثر على الحالة التى أعايشها والأحداث التى أراها فى الوطن، «غاب نهار آخر، غربتنا زادت نهار، وابتعدت عودتنا نهار»، أظن أن هذا التعديل يتماشى مع ما نعايشه يوميا فى مصر. يمر اليوم بعد الآخر، كنا نعتقد- أو نتمنى- أن تسير الأمور نحو عودة الوطن إلى مساره الصحيح، فاكتشفنا أنه كلما مر يوم ابتعد الأمل خطوة أخرى. لم ينته لكنه يخفت، وتباعد بيننا وبينه الأحداث، وأداء من اعتقد الناس أنهم طوق النجاة.

بمناسبة أطواق النجاة التى ثبت أنها وهمية أعود إلى ما حدث فى البحر الميت وقت انعقاد النسخة الإقليمية من المؤتمر الاقتصادى الدولى (دافوس)، الذى تأكد لى من خلاله أن الأمور تسير فى اتجاه معاكس لما نتمناه، والفضل فى ذلك ليس فقط للجماعة، لكن لمن اعتقد كثير من المصريين أنهم طوق النجاة الذى يمكن أن يقودهم أو يساعدهم فى تجاوز محنة الواقع، لكنهم خذلوهم بأدائهم المتخاذل، وصراعهم على المكاسب الصغيرة، وعدم قدرتهم على اتخاذ مواقف قوية والدفاع عنها حتى النهاية.

بعض من هؤلاء كانوا هناك فى البحر الميت، وبدلا من استغلال الفرصة التى تواجد فيها العديد من الشخصيات المؤثرة فى العالم لفضح الممارسات التى تشهدها مصر على يد الجماعة، وبدلا من استغلال العلاقات الدولية التى لبعضهم فى المساهمة فى تكوين رأى عام دولى كاشف لحقيقة الأوضاع فى مصر، عوضا عن ذلك انشغل من ينتمى إلى ما اعتبره البعض طوق نجاة فى توثيق لقاءاته مع كبار الشخصيات المشاركة بتصويرها والتأكد من نشر أخبارها.

 وعندما يأتى وقت الحديث فى الجلسات العامة والخاصة يتفاجأ المستمعون، وأنا معهم، بذلك الموقف التوفيقى التوافقى الذى ينضح من كلام أخينا القيادة الليبرالية المفترضة.

فالوضع فى مصر، كما يراه هو، وضع طبيعى فى مرحلة انتقالية، وأهم شىء أن الأمل موجود، كما يقول. لم أسمع من طوق النجاة الوهمى هذا عن حقيقة الموقف فى مصر، لم يستغل المساحة المتاحة ليكشف زيف الإجراءات الشكلية التى تدعى الجماعة الحاكمة أنها إجراءات لجمع شمل الوطن فى حين نراهم جميعا يدفعون دفعا نحو استكمال عملية الإقصاء والاستحواذ. بدا الأمر كأن هناك حدودا وضعها أخونا أو وضعت له، لا يستطيع أن يتخطاها.

ما لا يلحظه كثيرون أن الرأى العام الخارجى ضعيف النظر، لا يرى إلا الصورة الكلية دون تفاصيل، ولا يجهد نفسه فى البحث وراء هذه التفاصيل أو خلفيات الصورة ما لم يقم آخر بجهد حقيقى لتوضيح هذه الصورة.

 لذك فإن الانطباع العام لدى الرأى العام الخارجى أن ما يحدث فى مصر هو تعبير عن مرحلة انتقالية، تماماً كما قال طوق النجاة الوهمى، وأن المشكلات التى تواجهها مصر هى مشكلات وقتية يمكن حلها بخطوات شبيهة بما يعلنه النظام، من وقت لآخر، عن فتح الباب أمام المعارضة لحوار نعلم نحن أنه وهمى، لكنهم لا يعلمون، ويرون إعلانا عن إجراءات وتصريحات تتحدث عن ضمانات لحرية التعبير ولا يعلمون بالإجراءات الصغيرة والكبيرة على الأرض، التى لا ترسخ لشىء إلا لمزيد من التقييد والضغط للوصول إلى الدولة الفاشية المسيطرة أحادية الاتجاه والعقيدة.

 هذه هى الصورة العامة التى تنقل إلى الخارج ونجحت، إلى حد ملحوظ، الآلة الإعلامية للجماعة المسيطرة فى الترويج لها، وساهم فى ذلك هذا الغياب المخزى للصوت المصرى الأصيل.

من المؤسف أنه لم يوجد بعد من هذه الأطواق الوهمية من هو على استعداد للإعلان عن مواقف حادة وواضحة وقوية وغير قابلة للحياد عنها أو الفصال فيها، وأن يكون الهدف الأهم هو صالح الوطن وليست المصالح الشخصية الضيقة، وألا يكون معيارهم فى النجاح هو حجم ابتسامة المسؤول الأمريكى وهو يظهر معه فى الصورة.

المشكلة أن رؤية الشارع فى مصر قد تجاوزت من يطرحون أنفسهم لقيادته، فى الوقت الذى مازال الشارع فيه يبحث عن قيادة، هى دائرة أشبه بالدوران حول النفس. ويبقى السؤال فى محله: هل مازال هناك أمل؟.. أحاول التغلب على كلمات أغنية فيروز المعدلة، وأحاول أن أتجاوز إحباط ما رأيت من أداء القيادات المفترضة من لغة متهاونة. وأحاول أن أجد فى عمق المصرى الكامن ذلك العنصر الكامن الذى اكتسبه عبر آلاف السنين ومكنه دائماً من تجاوز محن كثيرة وكبيرة واستمرت مصر.