بقلم عبداللطيف المناوى
اسمحوا لى بأن أضع إجابتى باختصار فى إطار المساحة المتاحة، عاشت مصر منذ ثورة ١٩٥٢ ما يمكن تسميته معادلة «ثنائية النظام الحاكم والجماعة الإسلامية المعارضة»، وهذه المعادلة فرضت نفسها منذ حسم جمال عبدالناصر الصراع السياسى وقتها، وانتصر لجناحه فى الضباط الأحرار، وأطاح بالإخوان فى الصراع الأشهر بين الجماعة والجيش فى ذلك الوقت، وبدأت الجماعة رحلة الحظر والمطاردة، ومنذ ذلك الحين ظلت القوتان الرئيسيتان فى معادلة الحياة السياسية المصرية هما النظام القائم على شرعية ثورة يوليو، الذى تمكن من حسم الصراع عام ١٩٥٤، والقوة الأخرى هى جماعة الإخوان المسلمين المنحلة منذ ذلك الوقت وما خرج من عباءتها من جماعات إسلامية معتدلة ومتطرفة، لكنها على الرغم من ذلك ظلت، رغم حظرها، هى القوة الرئيسية فى المعارضة سواء وقت التنظيم الواحد المتمثل فى الاتحاد القومى، ثم الاتحاد الاشتراكى، أو فى ظل التعدد الحزبى الذى بدأ عام ١٩٧٧.
بينما ظلت القوى المعارضة الأخرى، سواء داخل التنظيم الواحد أو التنظيمات السرية الأخرى أو أحزاب المعارضة فيما بعد، ضعيفة التأثير والتواجد، ولم يكتسب حزب معارض قوة إضافية إلا عندما تحالف مع الجماعة «المحظورة» فى ذلك الوقت، وحالة التحالف بين الجماعة وحزب العمل الاشتراكى أو حزب الوفد ماثلة فى الأذهان، وتمثيلهم فى برلمان ٢٠٠٥ يؤكد هذ المعنى، حيث شكلوا قوة المعارضة الرئيسية، بل الوحيدة المؤثرة. ظلت الجماعة تناور سياسياً، وتنتهز الفرص لتدعيم تواجدها، تحالفت مع الجميع مرحليا، وأقصد هنا «الجميع» بمعنى الكلمة، ومن يعد لتطور العلاقة بين الجماعة والنظام منذ تولى الرئيس السادات حتى ظهر الخامس والعشرين من يناير العام الماضى يمكن له أن يرصد هذا الأسلوب الذى أبدعت فيه الجماعة، كيف تبقى على قيد الحياة، وكيف تستفيد من كل المواقف وكل الحلفاء والأعداء. حتى عدم شرعية الجماعة قانونياً تم استغلالها كعنصر قوة وتعاطف، وهذا يفسر عدم رغبتهم طوال السنين الماضية فى اتخاذ خطوات لاستعادة الشرعية أو إيجاد شكل قانونى للجماعة، حيث إن هذه الشرعية سوف تخصم من رصيد التعاطف وتحجم من مساحة المناورة لها. أذكر أننى سبق أن صرحت أكثر من مرة بأنه ليست هناك مشكلة بين الإعلام والجماعة، لكن هناك مشكلة قانونية وشرعية بين الجماعة والنظام، أو العكس، وعلى الطرفين العمل لإيجاد حل لهذه المشكلة.
بعد هذا التقديم لشكل العلاقة تاريخيا نجيب عن السؤال: ماذا جنينا اليوم بعد حوالى عام ونصف العام؟ والإجابة: حصلنا على ذات المعادلة، لكن مع تبديل مواقع أطرافها، أصبحت الجماعة هى الحاكم، أما كل المصريين الآخرين وكل القوى التى حملت شعارات الثورة والثورية، وكل الشباب الذين شاركوا، وكل الليبراليين والمقيدين فى كشوف الليبراليين، الكل أصبح خارج المعادلة. هذا يطرح سؤالاً جوهرياً وغاية فى الصراحة: ألا يمكن القول إن «الثورة» التى قامت لم تكن إلا «انقلابا» إخوانيا استغلت فيه الجماعة كل هؤلاء الذين أشرت إليهم ممن شارك منذ اللحظة الأولى؟ هل أكون متجاوزا الحقيقة إذا قلت إن لسان حال الجماعة يقول لكل هؤلاء: «لقد حققنا حلمنا الذى حلمنا به منذ عشرات السنين بفضلكم، ولم يبق لنا إلا أن نقول لكم: (سعيكم مشكور)»، هل جاوزت الحقيقة؟