كمال الشاذلي

بقلم   عبداللطيف المناوى

المرة الأولى التي التقيت فيها كمال الشاذلي كانت في أحد فنادق لندن ، عندما كان يزورها للمشاركة في ندوة في أحد قاعات البرلمان البريطاني ، كان ذلك في أواخر التسعينيات وكنت وقتها أعمل صحفيا في صحيفة الشرق الأوسط ، دخلت عليه غرفته ، كان هو من فتح الباب بنفسه ، متخففا من جاكت البدلة التي يلبسها ومن الحذاء ، صافحني بطريقة ذكرني فيها بأخوالي من أهل القرية ، بالطريقة التي تمزج بين الدفء والود والبساطة ، تعامل معي بلا تكلف كأنه يعرفني من سنوات ، وطلب مني أن أفتح الثلاجة التي في الغرفة قائلا ” اعتبر نفسك في بيتك اشرب ما تريد ” ، أجريت معه الحوار ، أجاب بتلقائية وعفوية ورفض الإجابة أيضا بتلقائية وعفوية عن بعض الأسئلة طالبا مني وقتها ” بلاش نتكلم في الموضوع ده دلوقتي ” ، خرجت من اللقاء حاسما موقفي الإنساني تجاه كمال الشاذلي الفلاح ابن القرية الذي يتعامل ببساطة أهل القرية ونبل عمدة القرية ، وبأبوة كل من اعتدنا أن ننادية بخال فلان أو عم فلان ، هذا هو الجانب الإنساني في كمال الشاذلي وهو متفق عليه من كل من خالفه أو اتفق معه .

كمال الشاذلي هو أحد أهم الشخصيات المصرية المثيرة للجدل ، اختلف معه كثيرون ، واتفق معه كثيرون في مواقفه السياسية وفي إدارته للعملية الحزبية والانتخابية و البرلمانية إلا أن الجميع اتفق على كمال الشاذلي الإنسان .

هناك لحظات تتراجع فيها الخلافات والاختلافات في وجهات النظر وفي المواقف السياسية وتتقدم المشاعر المتفق عليها وأظن أنه مع كمال الشاذلي فالمشاعر المتفق عليها هي الحب والتقدير لهذا الرجل و” جدعنته “ومواقفه الريفية لابن البلد .كمال الشاذلي هو أقدم برلماني مصري وفي العالم، وكان هذا أحد الموضوعات التي كان يشعر بالفخر بها ، وله الحق في ذلك ، فهو يشغل مقعده منذ عام 1964، كما كان أمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى وأحد أهم أعمدته فى السنوات الماضية، وكان وزير الدولة لمجلس الشعب حتى عام 2004، ثم رئيسا للمجالس القومية المتخصصة ، وظل في كل هذا أحد علامات الحياة السياسية في مصر حزبيا وبرلمانيا ، ترك بصمة يعترف بها الجميع ، وكان له حضور لا يختلف عليه أحد ، وقدرات حاضرة وواضحة للعيان ، الجميع يتفق على ذلك حتى لو اختلف مع بعض التوجهات أو السياسات أو الأساليب لكن هذا  لا ينفي ذلك الحضور الكبير .في  بعض اللحظات تتراجع الاختلافات ، ويتراجع عدم الاتفاق على سياسات أو مواقف ويتصدر الصورة الاتفاق على حضور الإنسان كمال الشاذلي .

مصدر الحياة

بقلم   عبداللطيف المناوى

ينقطع الحبل السري ليبدأ كل منا حياته في رحلة تبدو وكأنها مرحلة من مراحل الاستقلال والعيش المعتمد فيه على النفس ، يقل الاعتماد على مصدر الحياة تدريجيا ـ أو هكذا نظن ـ نبدأ  أولى خطواتنا المتعثرة دون وعي  ـ  أو هو وعي ساكن فينا دون أن ندري ـ تحول بيننا وبين تعثرنا ، أو تساعدنا لننهض ونبدأ رحلتنا مرة أخرى مستقلين معتمدين على أنفسنا ـ أو هكذا نظن ـ وكل مرة في كل أزمة أو كل فرحة نندفع دون أن ندري لنبحث عن مصدر للحياة وكأننا نبحث عن مصدر للطاقة .. بل مصدر للحياة .

ينقطع الحبل السري ـ أو هكذا نظن ـ ونتخطى مرحلة الفطام ـ أو هكذا نظن ـ و نعتمد على أنفسنا في المأكل والحركة ـ أو هكذا نظن ـ ونبدأ علاقاتنا المستقلة التي نريد أن نؤكد بها أننا أصبحنا كبارا ، أصبحنا مستقلين ، ولكن نكتشف دون أن ندري أن كل حياتنا تعود لتدور حول  ذلك المصدر ، مصدر الحياة ، لأننا دون أن ندري فإن حياتنا هي حياة مشتركة  ، بدأت منذ كانت نطفة ، وتظل مشتركة  إلى نهاية المدى الذي لم أعرفه بعد ، الشراكة هنا هي شراكة لا نختارها لأنها حياة ، علاقة أزلية بيننا وبين مصدر هذه الحياة لنا .

ينقطع الحبل السري ـ أو هكذا نظن ـ ولا ينتهي اعتمادنا المادي والنفسي و المعنوي ، نتلمس عناقا بعد غياب ، أو صوتا راض  ، أو دعاء  نظن  أنه سوف يكون المخرج من كل الأزمات ، والدعم لنا في مواجهة الحياة ، نبحث عن الرضا حتى  لو كنا نكابر أنفسنا أحيانا وندعي أننا كبرنا وفطمنا ، وتباعد بيننا الأيام  والمسافات ولكن يظل ذلك الرباط الذي لا نراه دائما ممتدا ، رباطا لا نعرف تحديدا من أية نقطة يمسك بنا ـ أظنها كل نقطة ولكنها تبدأ من أعماقنا ، ليس أعماق الجسد ، لكنها أعماق أخرى لا أدري طبيعتها ، ولكني أظن أنها أعماق روحنا ، والطرف الآخر لهذا الرباط هو الطرف الآخر للحبل السري الذي ربطنا بالحياة وأمدنا الحياة وأعطى معنى لهذه الحياة .

جلست إلى جانب جثمانها ـ مصدر حياتي ـ طويلا ، راقدة في هدوء ، في سلام ، ويمر أمامي شريط حياتي التي منحتني إياها ، أحاول أن أستحضر أول صورة انطبعت في ذهني عنها ، وأذكر فقط نظرتي إلى أعلى كثيرا وهي ممسكة بيدي نسير في الشارع ، لا أذكر كم كان عمري لكني أذكر الحالة ، تفاصيل  كثيرة ، مواقف كثيرة ، أحداث كثيرة ، عثرات ، نجاحات ، إحباطات ، فرح ، حزن ، بعد ، قرب ، ليل ، نهار ، لأكتشف أنها كل تفاصيل الحياة ، كانت فيها ، حضرتها ، عاشتها معي ، دون أن أدري ، أو كنت أدري ،  كانت دائما أينما كنت مهما كان البعد ، ومهما كان الوقت ، كانت هنا ، بل كانت في قلب كل شيء في قلب الحياة .

لم ينقطع الحبل السري ، حتى عندما واراها الثرى ، ظل ذلك الإحساس بأن ذلك الرباط ما زال موجودا ، قويا ، بلا إنكار ولا  ادعاء بأنني كبرت وصرت مستقلا ، الرباط موجود ، وكان موجودا دائما  ، واليوم عرفت أنه سوف يظل إلى الأبد .

أكثر ما سوف أفتقده هو صوتها عندما  كانت ترد على مكالمتي الصباحية لها وهي تقول ” صباح الخير يا روح قلبي ” .

رحمك الله يا أمي .

سوشي

بقلم   عبداللطيف المناوى

الطعام هو أحد الملامح الأساسية لثقافات الشعوب ، عرفنا الطليان بالبيتزا والمكرونة ،وعرفنا الأمريكان بالهمبورجر  ، وعرفنا الانجليز بوجبة السمك والبطاطس الشهيرة ، ومؤخرا اجتاح اليابانيون العالم بأكلتهم التي أصبحت شهيرة في مصر هذه الأيام وهي السوشي ، وفي مختلف بلاد العالم نجد مطاعم الأكلات اليابانية أو الأكلات الإيطالية او الأكلات اللبنانية وغيرها .

بالنسبة لنا في مصر ، فأشهر الأكلات شعبية وانتشارا هي الفول ومشتقاته المعروفة  من الطعمية أو الفول المدمس أو الفول النابت أو الفول بالصلصة والبصارة التي يدخل فيها الفول أيضا ، وغيرها ، ومع الأسف فنحن نتعامل مع هذا الجزء المكون من شخصيتنا  بدون قدر من الفخر به أو الاعتزاز  ، ولم ينجح مشروع في أي دولة من دول العالم  لمطاعم مصرية  أو انتشار لأكلات مصرية ، وجزء من عدم النجاح هذا يعود إلى أننا لم نحاول أن نتعامل مع هذا الموضوع بقدر من الجدية ، ولم يتعامل معها المستثمرين ورجال الأعمال من الذين يمكن أن يكون لهم حضور في هذه الموضوع بقدر من الجدية .

اذكر إحدى تجارب المطاعم المصرية في لندن والتي لم تعش طويلا لأنها كانت دائما محل مقارنة  بينها وبين المطاعم الأخرى في أسلوب التقديم والطهي و الالتزام و الارتباط بمعايير البلد التي تكون فيها .

وبداية هذه المعايير تبدأ هنا في مصر عندما نتعامل باحترام  مع هذه الوجبات التي هي جزء من الشخصية المصرية ولكنها تحتاج إلى أن نتعامل معها  بشكل يحاول أن يطور الشكل الذي تقدم به ويراعي متطلبات من يتلقاها .

الثقافة المصرية ليست أقل من أي ثقافة من الثقافات ولا ينبغي أن ننظر باستهتار أو بخفة إلى هذا الموضوع .

التجربة السعودية في ضبط فوضى الفتاوى

بقلم   عبداللطيف المناوى

مصر هي بلد الأزهر الشريف ، الذي حافظ على مدار أكثر من ألف عام على وسطية الإسلام ، و أنار شيوخه العالمين الإسلامي والعربي بوسطية الدين ، وعندما إغلاق بعض القنوات التي تثير الفتنة وتنشر التشدد ، وتحرم كل ما أحل الله ، فإن هذا الإغلاق يلقي على الأزهر مهمة ضبط الفتوى وإعادة الأزهر إلى دوره في نشر الفتوى المعتدلة ووسطية الإسلام  .

الفتاوى المتشددة والتي تدعو إلى تكفير الجميع ـ والتي ذكرت بعضا من نماذجها في مقال سابق ـ قد تعصف وتدمر المجتمع بأكمله ، ولعله من المفيد هنا الإشارة إلى ما حاولته السعودية خلال الأسابيع الأخيرة أيضا حين أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله أمراً ملكياً يقضى بقصر إصدار الفتاوى على الفقهاء المرخص لهم رسمياً في خطوة جديدة تأتي في إطار عمل الدولة لإعادة العقل والمنطق في ظل الفوضى التي عاشتها السعودية في مجال الفتاوى الدينية . وقد أصبح الحق في إصدار الفتاوى محصوراً على رجال الدين المرتبطين بهيئة كبار العلماء بموجب الأمر الذي صدر في أغسطس الماضي.

كتب الملك عبد الله في نصّ الأمر الذي أُرسِل إلى مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ: “أداءً للواجب الشرعي والوطني، نرغب إلى سماحتكم قصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء… ومن نأذن لهم بالفتوى”. وتابع “يُستثنى من ذلك الفتاوى الخاصة الفردية غير المعلنة في أمور العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، بشرط أن تكون خاصة بين السائل والمسئول. على أن يُمنَع منعاً باتاً التطرّق إلى أي موضوع يدخل في مشمول شواذ الآراء ومفردات أهل العلم المرجوحة وأقوالهم المهجورة”. واعتبر عبد الله أن قيام أشخاص غير أكفاء بإصدار فتاوى هو انتهاك للشريعة الإسلامية، وأن هذه الممارسات تقوّض مؤسّسات الدولة الرسمية وتتجاوز “حرمة الشرع”. وطلب الأمر أيضاً من المفتي العام أن يرفع إلى الملك أسماء العلماء الذين يجدهم من أهل الكفاية لإصدار الفتاوى.

وعقب صدور الأمر الملكي، طلبت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من كل الأئمة والواعظين التقيّد بأحكامه وشرحه في خطب يوم الجمعة. وأعطت الوزارة أيضاً توجيهات لموظّفيها كي يتوقّفوا عن قبول طلبات إصدار الفتاوى. وذكرت صحيفة الوطن السعودية أنّ رئيس جامعة الإمام محمد سوف يتّخذ إجراءات صارمة بحقّ أي عضو في الهيئة التعليمية يخالف الأمر الملكي. وقد تعرّض بعض العلماء إلى التوبيخ العلني بسبب عدم التقيّد بالحظر، وبينهم الشيخ يوسف الأحمد الذي أكّد أنّ استخدام النساء ليعملن أمينات صندوق في المراكز التجارية هو انتهاك للشريعة الإسلامية.

منذ صدور الأمر الملكي، أُغلِق عدد من المنافذ التي كانت تُستعمَل لإصدار الفتاوى، مثل المواقع الإلكترونية والبرامج التي تتلقّى اتّصالات مباشرة من الناس عبر المحطّات الفضائية الدينية.

بغض النظر عن تقييم التجربة فاعتقد أنه من المناسب عرض التجربة السعودية في هذا المجال .

حرس الجامعة

بقلم   عبداللطيف المناوى

لم تكن تجربة حرس الجامعة من التجارب الإيجابية في حياتي ، ومن أول ما اصطدمت به في حياتي الطلابي ، وإثناء ممارستي للسياسة كان تغيير اللائحة الطلابية ،ويعد أحد التجارب السلبية في بداية حياتي الجامعية وذلك عندما زاد تدخل الإدارة ـ إدارة الجامعة ـ في انتخابات اتحادات الطلاب ، وكنت شخصيا من الضحايا الأوائل لهذه اللائحة الطلابية الجديدة ، وأذكر أننا خرجنا وقتها في مظاهرات داخل الجامعة تطالب بتغيير اللائحة الطلابية ، وعدم تعرضنا للشطب لأسباب أمنية أو إدارية .

لا أنكر أن حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء حرس الجامعة قد لاقى لدي رضا نفسي  إلا أن هذا لا يعني أنني أطالب بإيجاد حالة من الفوضى داخل الجامعة  ، ولا أتحدث عن  جدوى وجود حرس الجامعة و ، ولا أتحدث عن حدود دور حرس الجامعة  والالتزام بأن يكون هناك حدود بين العملية التعليمية ودور حرس الجامعة ، وعدم التدخل في الحياة الطلابية ، وعدم الخلط بين دور النشاطات الطلابية والعملية التعليمية في الجامعة ، ولكن أفتح الباب للحديث حول السياسة في الجامعة ، وما زلت أظن أن أحد الأسباب الرئيسية لعدم وجود كوادر سياسية وعدم وجود درجة وعي سياسي على مستوى الشباب إنما يعود إلى تراجع ممارسة الطلاب للنشاط الفكري والسياسي ، وهنا ينبغي أن نفرق بين عمل الأحزاب في الجامعة وبين ممارسة الطلاب أنفسهم في التثقيف والتفكير، وأنا أتفق تماما مع الرأي القائل بوجود تمرينات سياسية داخل الجامعة ، تكون فيها مساحة فيها قدر واضح من التجربة الديموقراطية وحرية التعبير للطلاب داخل الجامعة ، هذا هو الطريق الرئيسي فيما أظن لخلق كوادر سياسية واعية بمستقبل مصر .

تحية إلى أهل سيناء

بقلم   عبداللطيف المناوى

مرة أخرى تحية إلى أهل سيناء  ، لما قدموه طوال الحروب التي خاضتها مصر وما يقدمونه على الدوام ، اللقاء المطول الذي عرضه التليفزيون المصري خلال اليومين الماضيين مع مشايخ قبائل سيناء ومجاهديها ، والذي كان لي شرف إجراؤه أعاد الإحساس إلى النفس بروحها مرة  أخرى ، وبقيمة هذه القطعة الغالية  من أرض مصر  والتي لا تكتسب قيمتها إلا بأهلنا من المصريين الذين يعيشون فيها ، في اللقاء  تحدث مشايخ ومجاهدي سيناء عن قضاياهم ومشاكلهم وأحلامهم المشروعة بالتنمية والمرافق والمشاريع التي تعمر سيناء ، والتي لا تعني سوى أنهم يحبون بلدهم أكثر ويريدونها أفضل ،

مرة أخرى أؤكد أن سيناء هي قلب هذا الوطن النابض ، وإذا كنا اعتدنا أن يكون القلب في منتصف الجسم ، فإن سيناء حالة خاصة ، وينبغي أن تكتسب هذه الصفة بمفهوم الحماية والحرص والاهتمام .

أشرت من قبل أن المحافظ الحالي اللواء مراد موافي هو من أقدر الناس على فهم هذه المنطقة ، فهو تربطه بسيناء وبأهلها علاقة وطيدة ، فقد كان رئيس جهاز المخابرات الحربية ، وهو الجهاز الذي كان له تاريخ مشرف وعلامة مضيئة من خلال حرب الاستنزاف في سيناء وكان للمجاهدين من أهل سيناء دور مهم  فيها  ، لعب المحافظ دورا مهما في تلك السنوات وهاهو الآن على رأس المحافظة  بما له من رصيد كبير في قلوب سكانها وشيوخها ومجاهديها  ، فيكنون له كل الاحترام والتقدير والحب  والذي لاحظته إثناء لقائي معهم ، ويحتاج الآن إلى تقديم الدعم له لبدء الحديث عن بداية حقيقية لتنمية سيناء ، تتجاوز مرحلة اللجان والخطط التي كانت تتردد طوال السنوات الماضية ولم تر النور  ، اللواء مراد موافي يملك رصيدا كبيرا كما قلت هناك في سيناء فقد يحتاج إلى الدعم حتى يجتمع أهل سيناء حوله لتحويل الصحراء والفراغ الكبير هناك إلى صورة حقيقية للوطن نحلم بها جميعا .

بداية الطريق أن نلتف حول هذه القطعة الغالية من الوطن ، وأتمنى ألا نفوت الفرصة هذه المرة حتى تظل سيناء حامية وبقوة لمصر كلها .

 

 

 

العرب ـ إفريقيا

بقلم   عبداللطيف المناوى

إحدى المشكلات الرئيسية التي واجهتنا خلال العقود الأخيرة ، هي تلك النظرة الخاطئة إلى مفهوم المصلحة في العلاقات ، بمعنى هل من المصلحة أن تكون علاقتنا بجيراننا جيدة حتى لو كانوا في مستوى اقتصادي أدنى أو أقل ، أو أنه من الأفضل أن تتعلق عيوننا إلى جيران سبقونا اقتصاديا وسبقونا تكنولوجيا فقررنا بدلا من أن ننظر حولنا أن نعلق عيوننا إلى الأعلى ، فلم نصل إلى ذلك إلى الأعلى في علاقات متساوية أو ندية وخسرنا لفترات طويلة من هم حولنا لأن عيوننا لم ترهم .

هذا النموذج حدث ويحدث لنا في مصر والدول العربية الأخرى عندما تعلقت أعيننا كما ذكرت بالدول الأوروبية  ونسينا الدول الإفريقية ، وعندما يأتي مؤتمر القمة العربية الإفريقية في دورته الثانية فإننا بذلك نبدأ عمله ونصحح بذلك الخطأ الشائع ، فليس السبيل لكي تكون غنيا أن تصادق الأغنياء ، وليس معنى أنك تصادق الفقراء أو محدودي الدخل أن تصبح فقيرا مثلهم  ، ولكن الغنى هو أن تستطيع أن توفق ما بين قدراتك على تلبية احتياجات الآخرين والمحيطين بك ، والذين يمكن أن يقبلوا في بعض الأحيان بظروف أفضل من الآخرين الذين تعلقت أعيننا بهم . .

تظل السوق الإفريقية إحدى الأسواق المهمة والأساسية  للمواد الخام والمواد الغذائية ، وبقدر أعلى من التنسيق في العلاقات بين الدول العربية ـ مصر تحديدا ـ والدول الإفريقية يمكن أن يكون مردود هذا التنسيق أكثر مما لنا أن نتخيل .

أطلب فقط من القراء الأعزاء أن يحضروا خريطة أفريقيا مع العالم العربي الذي جزء من دوله دول إفريقية  ، و ينظروا إليها وسط خريطة  العالم ، ولهم أن يتخيلوا كيف لهذه الرقعة الجغرافية الكبرى أن تصبح  لو ربطتها علاقات مصلحة  اقتصادية  واحدة  ، ستدفعهم  إلى التواجد على ساحة العالم بشكل أفضل  ، وساعتها يمكن لهؤلاء جميعا أن يكونوا أغنياء بعلاقاتهم المتبادلة  .

حديث عن سيناء قبل حلول الموسم

بقلم   عبداللطيف المناوى

للكلام في مصر مواسم ، في أكتوبر يبدأ الحديث عن نصر أكتوبر ، أو بطولات المصريين التي أهملنا البحث عن وسيلة أو عمل يؤرخ لها ولهذا النصر العظيم كما حدث ويحدث في مختلف بقاع العالم ، يبدأ الحديث عن أهمية مثل هذا العمل ، ولماذا لم يحدث حتى الآن ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى ليجتمع من جديد مع اقتراب أكتوبر التالي .

وفي أعياد القيامة وأعياد الميلاد نبدأ الحديث عن الإخوة الأقباط ، والنسيج الواحد ، ثم يخفت الحديث ، أو يتلاشى ، حتى يأتي عيد جديد ، أو أزمة أو مشكلة أو حادث طائفي فنبدأ من جديد الحديث عن النسيج الواحد وأبناء الوطن الواحد ، وكيف سرت الفتنة ، و مكامن الخطر ، وأساليب العلاج ، ثم يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام حتى تبدأ أزمة جديدة .

والوضع في سيناء ليس مختلفا عن هذا النسق العام في تعاملنا مع الأشياء ، حتى لو كانت مصيرية ، فمع ذكرى 25 إبريل ـ ذكرى عودة سيناء ـ  أو مع أي ازمة في سيناء ـ وهي  متعددة في الفترة الأخيرة ـ نبدأ الحديث عن ذلك الجزء الغالي من الوطن ، عن سيناء أرض الفيروز ، وكيف نعمر سيناء ، والعمق الاستراتيجي ، وعرب سيناء ، وبدو سيناء ، ومشكلات سيناء ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام ، وفي محاولة لتغيير ما اعتدنا عليه من الحديث في مواسم الكلام أبدأ قبل الموسم ببعض الوقت ، راجيا استمرار الحوار إلى ما بعد انتهاء موسم الحديث عن سيناء .

اهتمامي بسيناء متعدد المستويات :  شخصي ، وعملي ، واهتمام بشأن عام يمكن أن يتحول في مرحلة ما إلى أزمة حقيقية يصعب التعامل معها ، وسيناء هي أحد المفاصل التي يمكن من خلالها التأثير سلبا في استقرار هذا الوطن أذا ما أسأنا التعامل معها ، وأحسن الآخرون التعامل معها بشكل جيد ، فلم يعد خافيا على أحد أن استقرار هذا الوطن مستهدف من أطراف عدة ، ولن ينجح هذا الاستهداف ما لم يجد تربة خصبة ومهيأة للنجاح ، وإفشال هذا الاستهداف لا يتأتى إلا بالتقييم الصحيح والحقيقي للأمور ، ومعالجتها بجدية وأسلوب علمي.

وأعود للحديث عن سيناء ، ولعله من المناسب استعراض الوضع الحالي في سيناء ، و الصورة التي سأستعرضها هي نتيجة حوارات مع متخصصين ومهتمين بالوضع هناك ، وحوارات مع مصريين من أبناء سيناء .

نظرا لوقوع سيناء على الحدود الشرقية مع إسرائيل وغزة فهي دائما في حالة توتر ، ولأن أبناءها يشعرون أنها عانت طويلا من حروب متلاحقة لكنها لم تأخذ كما أعطت من دم أبنائها ، فهي في حاجة إلى رعاية خاصة ، وعلى الرغم من التحول الإيجابي النسبي الحادث في تعامل الدولة مؤخرا مع ملف التنمية في سيناء ، إلا أن أهلها  يشعرون بغياب اهتمام الدولة بهم رغم ما يقال عن مشروعات التنمية في المناسبات الوطنية ، ويتبدى ذلك في غياب مشروعات التعليم والصحة والتموين و الزراعة والنقل كمشروعات كبيرة وجادة ، ومثل هذه المشروعات تحتاج إلى استثمارات دولة عملاقة وليس استثمارات أفراد أيا ما كان حجمهم .

إذن المصريون من أهل سيناء  يرون أن التنمية في سيناء مجرد كلام في المناسبات لكنها غير موجودة على أرض الواقع ، ورغم أن الدولة أعلنت عن مشروع التنمية منذ 15 عاما إلا أنه لم يحدث شيء حتى الآن ، فهم يرون أن مشروعات التنمية وهمية مثل خط السكة الحديد من الاسماعيلية إلى بئر العبد والذي تكلف 320 مليون جنيه وهو متوقف منذ إشائه بعد سرقة قبضانه ، كما لا يشعرون بفارق أحدثه مشورع ترعة السلام الذي أعلن عنه منذ عام 1992 لاستزراع 400 ألف فدان وتوطين 3 ملايين نسمة ، فالخدمات ما زالت ضعيفة

أيضا يعاني المصريون من سكان سيناء من غياب التغطية الصحية فالمستشفيات ترفض استقبال المرضى والمصابين لعدم توافر الإمكانيات ، فمثلا مستشفى بئر العبد ترفض استقبال مصابي الحوادث وتحولهم إلى مستشفى العريش ( 100 كيلو متر ) الذي يعود ويحولهم مرة  ثانية إلى الاسماعيلية يكون المصاب قد مات  ، كما يعانون من ضعف مستوى التعليم ، فالمدارس قديمة وقليلة العدد كما أن الرقابة على العملية التعليمية غائبة تماما ، وهو ما أدى إلى زيادة الإقبال على المدارس الفنية التي تخرجهم بكفاءة معدومة .

أدى هذا في المقابل إلى تفشي البطالة لانعدام مشروعات القطاع الخاص واقتصار التوظيف على الدولة ، وهو ما ساهم من ناحية أخرى في انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة ، وفي حالة وجود قروض ممنوحة للشباب فهي ضعيفة وصعبة الشروط ، حيث تشترط تنازل الشاب عن حقه في العمل بالجهاز الإداري للدولة .

يعاني المصريون من سكان سيناء من عدم كفاية كميات الدقيق المخصصة لسيناء وهي كمية ثابتة منذ اكثر من خمس سنوات ، كما أنها تقسم حصتين الأولى توزع على المخابز والثانية على الأهالي للخبز المنزلي ، وهناك اعتقاد أن الدولة تحل المشكلة في القاهرة على حساب الأقاليم  ، أيضا بالنسبة للزراعة وهي النشاط الوحيد الذي يعمل به شباب سيناء الآن ، لكنهم يعانون من الأسمدة الفاسدة والمهربة في ظل غياب كامل للإرشاد الزراعي وهو ما أضعف خصوبة الأرض الضعيفة أصلا ، و رغم  إعلان الدولة أكثر من مرة عن خطة لزراعة سيناء إلا أن الخطة لا وجود لها على أرض الواقع ، فضلا عن غياب تسويق هذه المزروعات لغياب التعاونيات والتوجيه الزراعي ، وهناك تخوف لدى سكان سيناء من أن تنزع الدولة مساكنهم وأراضيهم لتمنحها لمستثمرين إثناء تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع ترعة السلام الذي يمر وسط مساكنهم  ، كما يشتكون من مشروع حصر ممتلكات الدولة التي قامت به الدولة في التسعينات والذي يعتبر ما بني بعدها أو زرع هو اغتصاب لممتلكات الدولة لم يراع تخوم القبائل ولا توسعات قرى البدو الطبيعية

من الناحية الأمنية فهناك سوء نية متبادل بين سكان سيناء وبين الأمن ، فالأمن يرفض التدخل في خلافات البدو ، في ظل عجز القضاء العرفي في بعض الأحيان ، كما يشكو المصريون من أهل سيناء من التعامل الأمني السيء معهم و الاسترابة الدائمة فيهم وتفتيشهم بطريقة مهينة من وجهة نظرهم واحتجازهم في الكمائن بالساعات والقبض العشوائي عليهم ، و عدم احترام الأمن لشيوخهم ونسائهم وهو ما يتضاد مع تقاليدهم وعاداتهم .

كما يشكو العديد من أهل سيناء من النظرة المتدنية لهم في بعض سائل الإعلام ما بين اتهامات بالتخوين أحيانا ، والنظر إليهم بعنصرية من ناحية أخرى على اعتبار أنهم بدو ، أو النظر إليهم والتعامل معهم بشكل فولكلوري ، أو تذكرهم فقط في المناسبات الوطنية .

ما فات هو بعض النقاط المهمة في توصيف الواقع حتى لو كان توصيفا صادما، وعندما نطرح هذا الواقع فإننا نحاول استحضارالأساليب التي يمكنها التعامل مع هذا الواقع لتغييره ، وسوف أضع بعض النقاط التي في ظني أنها واجبة الحضور ونحن نتعامل مع هذا الملف المهم ، من أهم هذه النقاط التأكيد الدائم في كل مستويات الحوار الإعلامي و الثقافي و السياسي على ترسيخ مفهوم أن سيناء جزء من الأمن القومي المصري ، وأن سيناء هدف دائم في رأس إسرائيل ، و التأكيد على مصرية سيناء ، وأنها جزء من مصر ولا يتم الحديث باعتبار أن سكان سيناء ” بدو ” ، إنما باعتبارهم ” المصريون في محافظتي سيناء المصريتين ” ، وجزء من نسيج الوطن ، كما يجب التحذير من خطورة قضية تبادل الأراضي ، كحل إقليمي ، وكشف ألاعيب أي دولة  للعب دور في هذا الملف أو اكتساب مساحات على حساب مصر أو الأراضي المصرية ، وهذا موضوع آخر يجب التوقف أمامه أيضا .

أيضا ينبغي تصحيح الوضع الخاص بوضع شيخ القبائل و المجاهدين ، وإعادة خلق وضع اجتماعي واقتصادي وقيمي مناسب لهم خاصة وأنهم لعبوا دورا لخدمة  الوطن في المراحل الزمنية المختلفة ، وذلك عن طريق دعمهم ماديا ، وتحسين المعاشات  ، وتمليكهم الأراضي ، وتحسين صورتهم الاجتماعية ، كما ينبغي متابعة انتخابات الشياخات ودعم المجاهدين وذوي الحس الوطني ، خاصة مع انهيار العزوة بسبب انهيارالدخول ، وسيطرة بعض البلطجية  على مقاعد الشيوخ (كان عدد الشيوخ في البداية 13 شيخا ، وصل العدد الآن إلى 140 شيخا ) ، كما يحب السيطرة على التلاعب بالأعراف البدوية ولي العنق من أجل المصالح الشخصية للبعض ، و التعامل مع الفراغ في سيناء على اعتبار أنه فراغ يجب ملؤه ، ويجب إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لمنع تهريب السلاح ، وضبط التعامل مع القبائل ذات التوجه العقائدي ، وإعادة النظر في توزيع مصادر الدخل فيما يتعلق بأبناء سيناء فسكان السواحل يعيشون بمصادر دخل عالية نتاج الزراعة والصيد ، ، والجنوب من السياحة ، فيما يعاني سكان الوسط من انخفاض الدخل .

ما فات هو حديث في غير موعده حسب ما اعتدنا ، ولكنه حديث ينبغي أن يكون دائما ، وحاضرا لأن الأزمة حاضرة دائما حتى لو بدا غير ذلك .

 

 

 

 

 

 

 

حديث عن سيناء قبل حلول الموسم

بقلم   عبداللطيف المناوى

للكلام في مصر مواسم ، في أكتوبر يبدأ الحديث عن نصر أكتوبر ، أو بطولات المصريين التي أهملنا البحث عن وسيلة أو عمل يؤرخ لها ولهذا النصر العظيم كما حدث ويحدث في مختلف بقاع العالم ، يبدأ الحديث عن أهمية مثل هذا العمل ، ولماذا لم يحدث حتى الآن ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى ليجتمع من جديد مع اقتراب أكتوبر التالي .

وفي أعياد القيامة وأعياد الميلاد نبدأ الحديث عن الإخوة الأقباط ، والنسيج الواحد ، ثم يخفت الحديث ، أو يتلاشى ، حتى يأتي عيد جديد ، أو أزمة أو مشكلة أو حادث طائفي فنبدأ من جديد الحديث عن النسيج الواحد وأبناء الوطن الواحد ، وكيف سرت الفتنة ، و مكامن الخطر ، وأساليب العلاج ، ثم يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام حتى تبدأ أزمة جديدة .

والوضع في سيناء ليس مختلفا عن هذا النسق العام في تعاملنا مع الأشياء ، حتى لو كانت مصيرية ، فمع ذكرى 25 إبريل ـ ذكرى عودة سيناء ـ  أو مع أي ازمة في سيناء ـ وهي  متعددة في الفترة الأخيرة ـ نبدأ الحديث عن ذلك الجزء الغالي من الوطن ، عن سيناء أرض الفيروز ، وكيف نعمر سيناء ، والعمق الاستراتيجي ، وعرب سيناء ، وبدو سيناء ، ومشكلات سيناء ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام ، وفي محاولة لتغيير ما اعتدنا عليه من الحديث في مواسم الكلام أبدأ قبل الموسم ببعض الوقت ، راجيا استمرار الحوار إلى ما بعد انتهاء موسم الحديث عن سيناء .

اهتمامي بسيناء متعدد المستويات :  شخصي ، وعملي ، واهتمام بشأن عام يمكن أن يتحول في مرحلة ما إلى أزمة حقيقية يصعب التعامل معها ، وسيناء هي أحد المفاصل التي يمكن من خلالها التأثير سلبا في استقرار هذا الوطن أذا ما أسأنا التعامل معها ، وأحسن الآخرون التعامل معها بشكل جيد ، فلم يعد خافيا على أحد أن استقرار هذا الوطن مستهدف من أطراف عدة ، ولن ينجح هذا الاستهداف ما لم يجد تربة خصبة ومهيأة للنجاح ، وإفشال هذا الاستهداف لا يتأتى إلا بالتقييم الصحيح والحقيقي للأمور ، ومعالجتها بجدية وأسلوب علمي.

وأعود للحديث عن سيناء ، ولعله من المناسب استعراض الوضع الحالي في سيناء ، و الصورة التي سأستعرضها هي نتيجة حوارات مع متخصصين ومهتمين بالوضع هناك ، وحوارات مع مصريين من أبناء سيناء .

نظرا لوقوع سيناء على الحدود الشرقية مع إسرائيل وغزة فهي دائما في حالة توتر ، ولأن أبناءها يشعرون أنها عانت طويلا من حروب متلاحقة لكنها لم تأخذ كما أعطت من دم أبنائها ، فهي في حاجة إلى رعاية خاصة ، وعلى الرغم من التحول الإيجابي النسبي الحادث في تعامل الدولة مؤخرا مع ملف التنمية في سيناء ، إلا أن أهلها  يشعرون بغياب اهتمام الدولة بهم رغم ما يقال عن مشروعات التنمية في المناسبات الوطنية ، ويتبدى ذلك في غياب مشروعات التعليم والصحة والتموين و الزراعة والنقل كمشروعات كبيرة وجادة ، ومثل هذه المشروعات تحتاج إلى استثمارات دولة عملاقة وليس استثمارات أفراد أيا ما كان حجمهم .

إذن المصريون من أهل سيناء  يرون أن التنمية في سيناء مجرد كلام في المناسبات لكنها غير موجودة على أرض الواقع ، ورغم أن الدولة أعلنت عن مشروع التنمية منذ 15 عاما إلا أنه لم يحدث شيء حتى الآن ، فهم يرون أن مشروعات التنمية وهمية مثل خط السكة الحديد من الاسماعيلية إلى بئر العبد والذي تكلف 320 مليون جنيه وهو متوقف منذ إشائه بعد سرقة قبضانه ، كما لا يشعرون بفارق أحدثه مشورع ترعة السلام الذي أعلن عنه منذ عام 1992 لاستزراع 400 ألف فدان وتوطين 3 ملايين نسمة ، فالخدمات ما زالت ضعيفة

أيضا يعاني المصريون من سكان سيناء من غياب التغطية الصحية فالمستشفيات ترفض استقبال المرضى والمصابين لعدم توافر الإمكانيات ، فمثلا مستشفى بئر العبد ترفض استقبال مصابي الحوادث وتحولهم إلى مستشفى العريش ( 100 كيلو متر ) الذي يعود ويحولهم مرة  ثانية إلى الاسماعيلية يكون المصاب قد مات  ، كما يعانون من ضعف مستوى التعليم ، فالمدارس قديمة وقليلة العدد كما أن الرقابة على العملية التعليمية غائبة تماما ، وهو ما أدى إلى زيادة الإقبال على المدارس الفنية التي تخرجهم بكفاءة معدومة .

أدى هذا في المقابل إلى تفشي البطالة لانعدام مشروعات القطاع الخاص واقتصار التوظيف على الدولة ، وهو ما ساهم من ناحية أخرى في انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة ، وفي حالة وجود قروض ممنوحة للشباب فهي ضعيفة وصعبة الشروط ، حيث تشترط تنازل الشاب عن حقه في العمل بالجهاز الإداري للدولة .

يعاني المصريون من سكان سيناء من عدم كفاية كميات الدقيق المخصصة لسيناء وهي كمية ثابتة منذ اكثر من خمس سنوات ، كما أنها تقسم حصتين الأولى توزع على المخابز والثانية على الأهالي للخبز المنزلي ، وهناك اعتقاد أن الدولة تحل المشكلة في القاهرة على حساب الأقاليم  ، أيضا بالنسبة للزراعة وهي النشاط الوحيد الذي يعمل به شباب سيناء الآن ، لكنهم يعانون من الأسمدة الفاسدة والمهربة في ظل غياب كامل للإرشاد الزراعي وهو ما أضعف خصوبة الأرض الضعيفة أصلا ، و رغم  إعلان الدولة أكثر من مرة عن خطة لزراعة سيناء إلا أن الخطة لا وجود لها على أرض الواقع ، فضلا عن غياب تسويق هذه المزروعات لغياب التعاونيات والتوجيه الزراعي ، وهناك تخوف لدى سكان سيناء من أن تنزع الدولة مساكنهم وأراضيهم لتمنحها لمستثمرين إثناء تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع ترعة السلام الذي يمر وسط مساكنهم  ، كما يشتكون من مشروع حصر ممتلكات الدولة التي قامت به الدولة في التسعينات والذي يعتبر ما بني بعدها أو زرع هو اغتصاب لممتلكات الدولة لم يراع تخوم القبائل ولا توسعات قرى البدو الطبيعية

من الناحية الأمنية فهناك سوء نية متبادل بين سكان سيناء وبين الأمن ، فالأمن يرفض التدخل في خلافات البدو ، في ظل عجز القضاء العرفي في بعض الأحيان ، كما يشكو المصريون من أهل سيناء من التعامل الأمني السيء معهم و الاسترابة الدائمة فيهم وتفتيشهم بطريقة مهينة من وجهة نظرهم واحتجازهم في الكمائن بالساعات والقبض العشوائي عليهم ، و عدم احترام الأمن لشيوخهم ونسائهم وهو ما يتضاد مع تقاليدهم وعاداتهم .

كما يشكو العديد من أهل سيناء من النظرة المتدنية لهم في بعض سائل الإعلام ما بين اتهامات بالتخوين أحيانا ، والنظر إليهم بعنصرية من ناحية أخرى على اعتبار أنهم بدو ، أو النظر إليهم والتعامل معهم بشكل فولكلوري ، أو تذكرهم فقط في المناسبات الوطنية .

ما فات هو بعض النقاط المهمة في توصيف الواقع حتى لو كان توصيفا صادما، وعندما نطرح هذا الواقع فإننا نحاول استحضارالأساليب التي يمكنها التعامل مع هذا الواقع لتغييره ، وسوف أضع بعض النقاط التي في ظني أنها واجبة الحضور ونحن نتعامل مع هذا الملف المهم ، من أهم هذه النقاط التأكيد الدائم في كل مستويات الحوار الإعلامي و الثقافي و السياسي على ترسيخ مفهوم أن سيناء جزء من الأمن القومي المصري ، وأن سيناء هدف دائم في رأس إسرائيل ، و التأكيد على مصرية سيناء ، وأنها جزء من مصر ولا يتم الحديث باعتبار أن سكان سيناء ” بدو ” ، إنما باعتبارهم ” المصريون في محافظتي سيناء المصريتين ” ، وجزء من نسيج الوطن ، كما يجب التحذير من خطورة قضية تبادل الأراضي ، كحل إقليمي ، وكشف ألاعيب أي دولة  للعب دور في هذا الملف أو اكتساب مساحات على حساب مصر أو الأراضي المصرية ، وهذا موضوع آخر يجب التوقف أمامه أيضا .

أيضا ينبغي تصحيح الوضع الخاص بوضع شيخ القبائل و المجاهدين ، وإعادة خلق وضع اجتماعي واقتصادي وقيمي مناسب لهم خاصة وأنهم لعبوا دورا لخدمة  الوطن في المراحل الزمنية المختلفة ، وذلك عن طريق دعمهم ماديا ، وتحسين المعاشات  ، وتمليكهم الأراضي ، وتحسين صورتهم الاجتماعية ، كما ينبغي متابعة انتخابات الشياخات ودعم المجاهدين وذوي الحس الوطني ، خاصة مع انهيار العزوة بسبب انهيارالدخول ، وسيطرة بعض البلطجية  على مقاعد الشيوخ (كان عدد الشيوخ في البداية 13 شيخا ، وصل العدد الآن إلى 140 شيخا ) ، كما يحب السيطرة على التلاعب بالأعراف البدوية ولي العنق من أجل المصالح الشخصية للبعض ، و التعامل مع الفراغ في سيناء على اعتبار أنه فراغ يجب ملؤه ، ويجب إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لمنع تهريب السلاح ، وضبط التعامل مع القبائل ذات التوجه العقائدي ، وإعادة النظر في توزيع مصادر الدخل فيما يتعلق بأبناء سيناء فسكان السواحل يعيشون بمصادر دخل عالية نتاج الزراعة والصيد ، ، والجنوب من السياحة ، فيما يعاني سكان الوسط من انخفاض الدخل .

ما فات هو حديث في غير موعده حسب ما اعتدنا ، ولكنه حديث ينبغي أن يكون دائما ، وحاضرا لأن الأزمة حاضرة دائما حتى لو بدا غير ذلك .

السبق الإعلامي وتهديد سلامة الوطن

بقلم   عبداللطيف المناوى

السؤال الذي ينبغي أن نوجهه لأنفسنا  كإعلاميين هذه الأيام هو عندما نجد أنفسنا أمام أحد اختيارين ما يطلق عليه سبق إعلامي في مواجهة تشكيل تهديد سلامة أمن وسلام الوطن ، فأي الحالتين نختار ، أظن أن الإجابة المتوقعة من أي فرد منا جميعا سوف تكون اختيار أمن  وسلامة الوطن .

لذلك ينبغي أن نعود خطوة إلى ما وراء السؤال ونسأل سؤالا آخر : إلى أي مدى يمتلك عدد كبير منا القدرة على القياس بين ما هو مضر أو غير بمصلحة الوطن  ، وهنا أظن أن التباين الحادث الآن ينطلق من هذه النقطة ، فما يحدث الآن على الساحة المصرية هو تمهيد مستمر ومكثف للاستغلال من قبل أي قوى تريد لهذا الوطن عدم الاستقرار، فالأسلوب الذي يتم التعامل به الآن في موضوع الفتنة الطائفية يشجع أطرافا على النفخ في النار من أجل تحقيق سبق صحفي ـ أو ما يعتبرونه كذلك ـ نموذج من الإضرار بهذا الوطن .

لم أفهم معنى أن يبادر عدد من الزملاء إلى طرح تساؤل حول مدى جدية البابا في اعتذاره من خلال أسئلة توجه إلى أطراف معروف إجابتها مسبقا ، بل من غير المفهوم من البعض أن يشكك في موقف البابا شنودة الذي امتلك من الحكمة والشجاعة التي جعلته يقف هذا الموقف الذي سوف يحسب له في تاريخه ـ عندما يشكك زملاء من أجل تسخين إعلامي  أو من أجل تحقيق ما يعتبرونه نصرا صحفيا .

هناك إصرار على استدعاء حالة الاحتقان والعيش  فيها وإشعالها والتذكير المتكرر بهاء واستضافة الرموز التي تساعد على إشعالها ، وهذا يتناقض مع كل القيم و المبادئ المهنية والوطنية .

إن ما يحدث في مصر في هذه القضية ـ قضية الفتنة ـ إنما هو بروفة  لما هو أكبر من ذلك  ، بروفة لهز استقرار الوطن ومع شديد الأسف فبعض منا دون أن يدركوا يساعدون في تحقيق هذا الهدف .

لا أملك إلا التحذير من خطورة ما يحدث ومن خطورة  عدم الإدراك بضرر تلك الإدارة الخاطئة لتلك الموضوعات الحساسة ، ولا أملك إلا التحذير لأن في مصر من الموضوعات ما لو لم يتم التعامل معها بحكمة ووطنية وحس وطني وحس بالخطر فإننا نكون كمن يريد ضررا بهذا الوطن .

أتحدث عن موضوعات مرشحة  لذلك إلى جانب موضوع قطبي الأمة الأقباط والمسلمين ، عندما أشير إلى القضايا الأخرى التي يتم وضع المواطنين فيها في شكل ثنائيات مثل البدو وأهل الوادي ، وأهل الريف وأهل الحضر ، والنوبة وباقي المصريين ، كل هذه القضايا وغيرها مرشحة لأن تكون نقاط احتقان ولن تختفي إلا إذا غلبنا مصلحة الوطن