بقلم عبداللطيف المناوى
للكلام في مصر مواسم ، في أكتوبر يبدأ الحديث عن نصر أكتوبر ، أو بطولات المصريين التي أهملنا البحث عن وسيلة أو عمل يؤرخ لها ولهذا النصر العظيم كما حدث ويحدث في مختلف بقاع العالم ، يبدأ الحديث عن أهمية مثل هذا العمل ، ولماذا لم يحدث حتى الآن ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى ليجتمع من جديد مع اقتراب أكتوبر التالي .
وفي أعياد القيامة وأعياد الميلاد نبدأ الحديث عن الإخوة الأقباط ، والنسيج الواحد ، ثم يخفت الحديث ، أو يتلاشى ، حتى يأتي عيد جديد ، أو أزمة أو مشكلة أو حادث طائفي فنبدأ من جديد الحديث عن النسيج الواحد وأبناء الوطن الواحد ، وكيف سرت الفتنة ، و مكامن الخطر ، وأساليب العلاج ، ثم يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام حتى تبدأ أزمة جديدة .
والوضع في سيناء ليس مختلفا عن هذا النسق العام في تعاملنا مع الأشياء ، حتى لو كانت مصيرية ، فمع ذكرى 25 إبريل ـ ذكرى عودة سيناء ـ أو مع أي ازمة في سيناء ـ وهي متعددة في الفترة الأخيرة ـ نبدأ الحديث عن ذلك الجزء الغالي من الوطن ، عن سيناء أرض الفيروز ، وكيف نعمر سيناء ، والعمق الاستراتيجي ، وعرب سيناء ، وبدو سيناء ، ومشكلات سيناء ، ثم .. يخفت الحديث إلى أن يتلاشى مع الأيام ، وفي محاولة لتغيير ما اعتدنا عليه من الحديث في مواسم الكلام أبدأ قبل الموسم ببعض الوقت ، راجيا استمرار الحوار إلى ما بعد انتهاء موسم الحديث عن سيناء .
اهتمامي بسيناء متعدد المستويات : شخصي ، وعملي ، واهتمام بشأن عام يمكن أن يتحول في مرحلة ما إلى أزمة حقيقية يصعب التعامل معها ، وسيناء هي أحد المفاصل التي يمكن من خلالها التأثير سلبا في استقرار هذا الوطن أذا ما أسأنا التعامل معها ، وأحسن الآخرون التعامل معها بشكل جيد ، فلم يعد خافيا على أحد أن استقرار هذا الوطن مستهدف من أطراف عدة ، ولن ينجح هذا الاستهداف ما لم يجد تربة خصبة ومهيأة للنجاح ، وإفشال هذا الاستهداف لا يتأتى إلا بالتقييم الصحيح والحقيقي للأمور ، ومعالجتها بجدية وأسلوب علمي.
وأعود للحديث عن سيناء ، ولعله من المناسب استعراض الوضع الحالي في سيناء ، و الصورة التي سأستعرضها هي نتيجة حوارات مع متخصصين ومهتمين بالوضع هناك ، وحوارات مع مصريين من أبناء سيناء .
نظرا لوقوع سيناء على الحدود الشرقية مع إسرائيل وغزة فهي دائما في حالة توتر ، ولأن أبناءها يشعرون أنها عانت طويلا من حروب متلاحقة لكنها لم تأخذ كما أعطت من دم أبنائها ، فهي في حاجة إلى رعاية خاصة ، وعلى الرغم من التحول الإيجابي النسبي الحادث في تعامل الدولة مؤخرا مع ملف التنمية في سيناء ، إلا أن أهلها يشعرون بغياب اهتمام الدولة بهم رغم ما يقال عن مشروعات التنمية في المناسبات الوطنية ، ويتبدى ذلك في غياب مشروعات التعليم والصحة والتموين و الزراعة والنقل كمشروعات كبيرة وجادة ، ومثل هذه المشروعات تحتاج إلى استثمارات دولة عملاقة وليس استثمارات أفراد أيا ما كان حجمهم .
إذن المصريون من أهل سيناء يرون أن التنمية في سيناء مجرد كلام في المناسبات لكنها غير موجودة على أرض الواقع ، ورغم أن الدولة أعلنت عن مشروع التنمية منذ 15 عاما إلا أنه لم يحدث شيء حتى الآن ، فهم يرون أن مشروعات التنمية وهمية مثل خط السكة الحديد من الاسماعيلية إلى بئر العبد والذي تكلف 320 مليون جنيه وهو متوقف منذ إشائه بعد سرقة قبضانه ، كما لا يشعرون بفارق أحدثه مشورع ترعة السلام الذي أعلن عنه منذ عام 1992 لاستزراع 400 ألف فدان وتوطين 3 ملايين نسمة ، فالخدمات ما زالت ضعيفة
أيضا يعاني المصريون من سكان سيناء من غياب التغطية الصحية فالمستشفيات ترفض استقبال المرضى والمصابين لعدم توافر الإمكانيات ، فمثلا مستشفى بئر العبد ترفض استقبال مصابي الحوادث وتحولهم إلى مستشفى العريش ( 100 كيلو متر ) الذي يعود ويحولهم مرة ثانية إلى الاسماعيلية يكون المصاب قد مات ، كما يعانون من ضعف مستوى التعليم ، فالمدارس قديمة وقليلة العدد كما أن الرقابة على العملية التعليمية غائبة تماما ، وهو ما أدى إلى زيادة الإقبال على المدارس الفنية التي تخرجهم بكفاءة معدومة .
أدى هذا في المقابل إلى تفشي البطالة لانعدام مشروعات القطاع الخاص واقتصار التوظيف على الدولة ، وهو ما ساهم من ناحية أخرى في انخراط الشباب في الجماعات المتطرفة ، وفي حالة وجود قروض ممنوحة للشباب فهي ضعيفة وصعبة الشروط ، حيث تشترط تنازل الشاب عن حقه في العمل بالجهاز الإداري للدولة .
يعاني المصريون من سكان سيناء من عدم كفاية كميات الدقيق المخصصة لسيناء وهي كمية ثابتة منذ اكثر من خمس سنوات ، كما أنها تقسم حصتين الأولى توزع على المخابز والثانية على الأهالي للخبز المنزلي ، وهناك اعتقاد أن الدولة تحل المشكلة في القاهرة على حساب الأقاليم ، أيضا بالنسبة للزراعة وهي النشاط الوحيد الذي يعمل به شباب سيناء الآن ، لكنهم يعانون من الأسمدة الفاسدة والمهربة في ظل غياب كامل للإرشاد الزراعي وهو ما أضعف خصوبة الأرض الضعيفة أصلا ، و رغم إعلان الدولة أكثر من مرة عن خطة لزراعة سيناء إلا أن الخطة لا وجود لها على أرض الواقع ، فضلا عن غياب تسويق هذه المزروعات لغياب التعاونيات والتوجيه الزراعي ، وهناك تخوف لدى سكان سيناء من أن تنزع الدولة مساكنهم وأراضيهم لتمنحها لمستثمرين إثناء تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع ترعة السلام الذي يمر وسط مساكنهم ، كما يشتكون من مشروع حصر ممتلكات الدولة التي قامت به الدولة في التسعينات والذي يعتبر ما بني بعدها أو زرع هو اغتصاب لممتلكات الدولة لم يراع تخوم القبائل ولا توسعات قرى البدو الطبيعية
من الناحية الأمنية فهناك سوء نية متبادل بين سكان سيناء وبين الأمن ، فالأمن يرفض التدخل في خلافات البدو ، في ظل عجز القضاء العرفي في بعض الأحيان ، كما يشكو المصريون من أهل سيناء من التعامل الأمني السيء معهم و الاسترابة الدائمة فيهم وتفتيشهم بطريقة مهينة من وجهة نظرهم واحتجازهم في الكمائن بالساعات والقبض العشوائي عليهم ، و عدم احترام الأمن لشيوخهم ونسائهم وهو ما يتضاد مع تقاليدهم وعاداتهم .
كما يشكو العديد من أهل سيناء من النظرة المتدنية لهم في بعض سائل الإعلام ما بين اتهامات بالتخوين أحيانا ، والنظر إليهم بعنصرية من ناحية أخرى على اعتبار أنهم بدو ، أو النظر إليهم والتعامل معهم بشكل فولكلوري ، أو تذكرهم فقط في المناسبات الوطنية .
ما فات هو بعض النقاط المهمة في توصيف الواقع حتى لو كان توصيفا صادما، وعندما نطرح هذا الواقع فإننا نحاول استحضارالأساليب التي يمكنها التعامل مع هذا الواقع لتغييره ، وسوف أضع بعض النقاط التي في ظني أنها واجبة الحضور ونحن نتعامل مع هذا الملف المهم ، من أهم هذه النقاط التأكيد الدائم في كل مستويات الحوار الإعلامي و الثقافي و السياسي على ترسيخ مفهوم أن سيناء جزء من الأمن القومي المصري ، وأن سيناء هدف دائم في رأس إسرائيل ، و التأكيد على مصرية سيناء ، وأنها جزء من مصر ولا يتم الحديث باعتبار أن سكان سيناء ” بدو ” ، إنما باعتبارهم ” المصريون في محافظتي سيناء المصريتين ” ، وجزء من نسيج الوطن ، كما يجب التحذير من خطورة قضية تبادل الأراضي ، كحل إقليمي ، وكشف ألاعيب أي دولة للعب دور في هذا الملف أو اكتساب مساحات على حساب مصر أو الأراضي المصرية ، وهذا موضوع آخر يجب التوقف أمامه أيضا .
أيضا ينبغي تصحيح الوضع الخاص بوضع شيخ القبائل و المجاهدين ، وإعادة خلق وضع اجتماعي واقتصادي وقيمي مناسب لهم خاصة وأنهم لعبوا دورا لخدمة الوطن في المراحل الزمنية المختلفة ، وذلك عن طريق دعمهم ماديا ، وتحسين المعاشات ، وتمليكهم الأراضي ، وتحسين صورتهم الاجتماعية ، كما ينبغي متابعة انتخابات الشياخات ودعم المجاهدين وذوي الحس الوطني ، خاصة مع انهيار العزوة بسبب انهيارالدخول ، وسيطرة بعض البلطجية على مقاعد الشيوخ (كان عدد الشيوخ في البداية 13 شيخا ، وصل العدد الآن إلى 140 شيخا ) ، كما يحب السيطرة على التلاعب بالأعراف البدوية ولي العنق من أجل المصالح الشخصية للبعض ، و التعامل مع الفراغ في سيناء على اعتبار أنه فراغ يجب ملؤه ، ويجب إعادة النظر في الترتيبات الأمنية لمنع تهريب السلاح ، وضبط التعامل مع القبائل ذات التوجه العقائدي ، وإعادة النظر في توزيع مصادر الدخل فيما يتعلق بأبناء سيناء فسكان السواحل يعيشون بمصادر دخل عالية نتاج الزراعة والصيد ، ، والجنوب من السياحة ، فيما يعاني سكان الوسط من انخفاض الدخل .
ما فات هو حديث في غير موعده حسب ما اعتدنا ، ولكنه حديث ينبغي أن يكون دائما ، وحاضرا لأن الأزمة حاضرة دائما حتى لو بدا غير ذلك .